للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمة في تفسير سورة العصر ومناسبتها لما قبلها]

سورة العصر سورة مكية، مشتملة على ثلاث آيات، ويوجد في القرآن ثلاث سور فيها ثلاث آيات: سورة العصر، وسورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:١]، وسورة: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:١]، لكن من جهة الحروف فأقلهن حروفاً سورة الكوثر، وهذه السورة المباركة مشتملة على أربع عشرة كلمة، في ثمانية وستين حرفاً، فمن قرأها فله من الحسنات ستمائة وثمانون حسنةً، والله يضاعف لمن يشاء.

ومناسبة هذه السورة لما قبلها أنه في السورة الماضية ذكر الله عز وجل أن أكثر الناس مشتغلون بالتكاثر، ظناً منهم أن العزة في ذلك، وجاءت هذه السورة مبينةٌ أيضاً أن الإنسان خاسر، تدعوه نفسه إلى البوار، وتلقيه في الدمار، إلا من اعتصم بالله عز وجل، واتصف بالصفات الأربع الواردة في هذه السورة المباركة.

روى الإمام الطبراني من حديث عبيد الله بن حصين الأنصاري رضي الله عنه قال: (كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لا يفترقان حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر، ثم يسلم عليه وينصرف)، ونقل الشيخ الصواف في تفسيره عن الإمام الطبرسي قال: هذه السورة دليل على إعجاز القرآن؛ لأنها مع قلة ألفاظها، ووجازة عبارتها قد جمعت كل ما يحتاج إليه الناس في دينهم علماً وعملاً.

وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي: لو تدبر الناس ما في هذه السورة لوسعتهم.

ويذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره وغيره من أهل العلم أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما كان كافراً وفد على مسيلمة الكذاب لعنه الله، فقال له مسيلمة الكذاب: يا عمرو! ماذا أنزل على صاحبكم؟ فقال له عمرو: نزلت عليه سورة وجيزة بليغة، وقرأ عليه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:١ - ٢]، فسكت مسيلمة هنيهة ثم قال: وقد أنزل علي مثلها، فقال له عمرو: وما هو؟ فقال: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر، ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله يا مسيلمة إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب، يقول ابن كثير رحمه الله: فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن.

فـ عمرو بن العاص كان عابداً للأوثان، ومع ذلك تبين له كذب مسيلمة.

والوبر: هو دابة من دواب الأرض، أعظم ما فيها أذناها وصدرها، وباقيه دميمٌ، وهذا الكلام.

مثله قوله الآخر: يا ضفدع يا بنت الضفدعين، نقي كما تنقين، لا الماء تكدرين ولا الشارب تروين، رأسك في الماء وذنبك في الطين، وعَدَّ مسيلمة هذا قرآناً.

ومثله قوله أيضاً: الفيل ما الفيل، وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل إلى آخر كلامه الفارغ الذي أراد به أن يصدق الناس أنه نبي يوحى إليه، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.