للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر بعض شرور الشياطين]

كل شر في هذا الكون إنما هو من الشيطان قاتله الله، ومن شروره -عليه لعنة الله- أنه قد جعل الله له مدخلاً في جوف ابن آدم، ونفوذاً إلى عروقه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأيام معتكفاً في المسجد، فجاءت زوجه صفية رضي الله عنها، فجلست معه تؤنسه، فلما أرادت أن تنقلب إلى بيتها قام يشيعها، وهذا من مكارم أخلاقه صلوات ربي وسلامه عليه، فجاء رجلان من الأنصار الكرام عليهما من الله الرضوان، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه سواد امرأة أسرعا، فقال عليه الصلاة والسلام: (على رسلكما؛ إنها صفية زوجتي، فقالوا: سبحان الله! يا رسول الله!) يعني: لا يحتاج أن تبرئ ساحتك، أنت النبي، أنت الرسول، أنت المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلبيكما شراً فتهلكا) أي: يقذف في قلوبكم شك سوء نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون الكفر والعياذ بالله! يعني: أنه فعل ذلك حرصاً عليهما لا على نفسه صلوات الله وسلامه عليه.

ومن شر الشيطان أنه ملازم لك يا ابن آدم من المحيا إلى الممات، لا يفارقك، يعني: لا يكون عندك أمل بأن الشيطان سيموت ويريحك، جاء في بعض الآثار: (أن الشيطان لما طرد من الجنة قال: يا رب! أخرجتني من الجنة بسبب آدم وذريته، فأعطني، قال الله عز وجل: لا يولد لآدم ولد إلا ولد لك عشرة، قال: يا رب! زدني، قال الله عز وجل: جعلت صدورهم مساكن لك ولذريتك، قال: يا رب! زدني، قال الله عز وجل: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء:٦٤]).

ومن شره قاتله الله: أنه يفسد على العبد عبادته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله ضراط، فإذا قضى أقبل) أي: إذا انتهى المؤذن يرجع الشيطان، (فإذا ثوب بالصلاة -أي: أقيمت الصلاة- أدبر، فإذا قضي رجع، حتى يخطر بين أحدكم وبين قلبه؛ يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، اذكر كذا، حتى ما يدري أصلى ثلاثاً أم أربعاً)، وهذا حاصل نكاد نراه.

ومن شر الشيطان قاتله الله: أن ابن آدم إذا نام عقد على قافيته ثلاث عقد، يقول له: عليك ليل طويل فنم، يعني: لا يريد له أن يقوم لصلاة ولا لذكر.

ومن شر الشيطان: أنه يبول في أذن ابن آدم حتى يصبح، لا يصلي بالليل ولا يذكر الله عز وجل، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل نام حتى أصبح فقال: (ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه).

ومن شر الشيطان: أنه يحاول أن يصرف ابن آدم عن العبادة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها: قعد له بطريق الإسلام قبل أن يسلم، قال: تسلم، وتذر دينك ودين آبائك، ودين أجدادك؟ فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، قال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، قال: تجاهد، وإنما الجهاد ذهاب المال والنفس؟ فعصاه فجاهد، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله إن قتل أن يدخله الجنة، وإن مات أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته أن يدخله الجنة).

والشيطان رضي لنفسه أن يكون قواداً لبني آدم، كما قال عز وجل عنه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:٨٢]، وقال عز وجل: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:١٦ - ١٧].