للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحالات التي يباح فيها التيمم]

يباح التيمم في الأحوال الآتية: الحالة الأولى: عند فقد الماء، فإذا لم يجد الإنسان ماءً ليتطهر به سواء كان غسلاً أو وضوءاً، ففي هذه الحالة يتيمم؛ لحديث: (جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! إني أكون في الرمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيكون فينا النفساء والحائض والجنب، فما ترى؟ قال: عليك بالتراب).

والمقصود بالرمل: البادية، فالإنسان إذا كان في الصحراء وعنده ماء قليل فإنه يبقيه لشربه ولسقي ما معه من الإبل والماشية، والرسول عليه الصلاة والسلام أرشد هذا الأعرابي إلى التيمم ولو بقي أربعة أشهر أو خمسة أشهر، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: (التيمم طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته).

الحالة الثانية: إذا خاف باستعمال الماء حدوث مرض أو زيادته أو تأخر شفاء، كما هو الحال في الشتاء، فبعض الناس يكون عنده حساسية وهو على يقين أنه لو اغتسل في الفجر فإنه سيمرض أو أن مرضه سيزيد أو أن برأه سيتأخر، ففي هذه الحالة يتيمم، والدليل حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في قصته في غزوة ذات السلاسل قال: (احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك -أي: أموت- فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قلت: نعم يا رسول الله! احتلمت في ليلة باردة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وتذكرت قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:٢٩]، فتيممت، ثم صليت، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً).

والنبي صلى الله عليه وسلم لا يسكت على منكر فلو كان عمل عمرو بن العاص باطلاً فلن يقره، وسيأمره صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة، وألا يعود لمثل ذلك، كما فعل ذلك مع الرجل الذي جاء والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي وقد ركع بأصحابه، فالصحابي -وهو أبو بكرة - ركع عند باب المسجد ثم دب وهو راكع حتى دخل في الصف، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، فلو كان فعل عمرو خطأً لقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تعد.

الحالة الثالثة: من كان عنده ماء ويخاف العطش على نفسه أو على محترم معه ولو كان ذمياً أو حيواناً فإنه يتيمم ويترك الماء لإنقاذ نفسه أو المحترم الذي معه، يعني: إذا كنت في مكان ليس فيه ماء، وليس معي إلا ماء قليل أستعمله للشرب، فأصابتني جنابة، وأخاف أني لو اغتسلت به ألا أجد ماءً أشرب، ووجدت يهودياً أو نصرانياً ذمياً يحتاج إلى ماء ليشربه، فأشربه أو أسقيه اليهودي أو النصراني وأتيمم، وهكذا إذا كان معي غنم أو بقر أو إبل أو أي شيء من دواب الأرض المحترمة فأسقيها وأتيمم.

ولو كان معي خنزير فلا أسقيه وأتيمم، بل أتركه يموت.

الحالة الرابعة: من كان بقربه ماء ويمنعه خوف لص أو سبع عنده، يعني: الماء موجود لكن بينك وبين الماء أسد أو سبع أو لص، ففي هذه الحالة تتيمم، وبعض الناس قد يقول: لا يصح أن تخاف، لا تخف إلا الله، فقل له: هذا كلام ليس بصحيح، هذا خوف طبيعي، فالإنسان يخاف من النار ويخاف من السبع، فليس عيباً أني أخاف من الأسد أو أخاف من الذئب أو أخاف من كذا، والله عز وجل ذكر عن موسى عليه السلام أنه خاف فقال: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص:٢١] أي: خرج خائفاً من فرعون، وهذا خوف طبيعي، لكن بعض الناس قد يبلغ درجة في القرب من الله حتى إنه لا يخاف من شيء، مثل سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فإنه كان يمشي وفي الطريق أسد واقف، فرأى الناس محجوزين بسبب الأسد، فجاء عبد الله بن عمر وأخذ بأذنه وقال له: تنح عن طريق الناس! فذهب الأسد، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن! أما تتقي الله؟! يعني: كيف تعمل هذه العملية؟ فقال: إني لأستحي أن أخاف غير الله، أنا أستحي من الله أن أخاف غيره، لكن هذه درجة خاصة يصل إليها من كان ولياً لله، نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يتوب علينا أجمعين.

فإذا كان في قريباً من الماء لص أو سبع أو كان الماء بقربه ولا يقدر الإنسان على تناوله بنفسه كأن يكون مشلولاً وليس في البيت أحد يناوله ولا يستطيع أن يمشي إلى الماء؛ يتيمم؛ لقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦].

فمثل هذا يتيمم ويصلي، وهذا كله داخل في عموم قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء:٤٣]؛ لأن عدم وجود الماء إما أن يكون حقيقياً أو حكمياً، فالماء قد يكون موجوداً لكن لا أقدر على الوصول إليه، أو لا أقدر على استعماله، أو لا أجد من يناولني إياه.

ولو دخل وقت صلاة العصر فلا يتيمم الإنسان مباشرة إلا إذا خشي خروج الوقت، قال العلماء: الراجي ينتظر إلى آخر الوقت، والمتردد يصلي في وسطه، والآيس يصلي في أوله، مثال ذلك: لو أن هيئة مياه الخرطوم قطعت الماء وعملت إعلاناً: أن الماء لن يأتي إلا في التاسعة مساءً، ودخل وقت صلاة العصر فحكمي أني آيس، والماء لن يأتي إلا بعدما يخرج وقت العصر الاختياري والضروري، وبعدما يخرج وقت المغرب الاختياري، ففي هذه الحالة أتيمم وأصلي.

فإذا كانت هيئة المياه قطعت الماء الساعة الثالثة وأعلنت أن الماء سيرجع في الخامسة والنصف فحكمي أني راجٍ وفي هذه الحالة أنتظر، فإذا لم يأت في الخامسة والنصف أنتظر إلى السادسة، فإذا ما جاء أنتظر إلى السادسة والربع، ثم أتيمم؛ لأن في الساعة السابعة يؤذن أذان المغرب، فالراجي يصلي في آخر الوقت، أي آخر الوقت الاختياري، أما إذا كنت متردداً فأتيمم وأصلي.

كذلك لو أن إنساناً استيقظ لصلاة الصبح مثلاً، لكنه قام متأخراً، وهذه قد تحصل مرة في العمر لا كل يوم، فليس معنى هذا أن الواحد ينام ثم يستيقظ بعد طلوع الشمس، ويقول: النوم هذا سلطان كما يقولون، وهذا ليس بحديث ولا آية، بل إن بعض الناس يتعمد التأخر، نسأل الله العافية، ونعوذ بالله من الضلال، فتجده يضبط المنبه على ميعاد المدرسة أو الجامعة أو الشغل، فيضبط المنبه على الساعة السابعة والنصف؛ لأن الشغل يبدأ في الساعة الثامنة، وهو يعرف أن الشمس تطلع الساعة السابعة وعشر دقائق، فمثل هذا -والعياذ بالله! - يخشى عليه أن يخرج من الإسلام، أعني: الذي يتعمد أن يضيع الصلاة حتى يخرج وقتها، لكن أقول: ممكن أن تحصل مرة في العمر أن الإنسان يكون متعباً فينام ولا يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، وقد حصل ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم مرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في سفر يمشون ولما بقي ثلث الليل الآخر تعبوا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من يحفظ لنا الفجر)، فقال بلال: أنا يا رسول الله! فناموا، ثم نام بلال، فالصحابة قالوا: أين كنت يا بلال؟! فقال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، شعرت بشيء يهدهدني كما تهدهد الأم وليدها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ذلك الشيطان) أي: أن الشيطان جاء يمرجح بلالاً رضي الله عنه إلى أن نعسه ونومه، وهذه قد تحصل مرة.

وهنا مسألة: لو أن إنساناً استيقظ قبل طلوع الشمس بقليل، وعليه جنابة، ويعلم يقيناً أنه لو اغتسل طلعت الشمس، ففي هذه الحالة نقول له: تيمم وصل؛ لأن فضيلة الوقت مقدمة على استعمال الماء.