للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الإتمام في السفر]

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد تقدمت معنا المسألة الأولى: وهي حكم القصر للمسافر، وذكرنا أن جمهور العلماء رحمهم الله: لا يبيحون القصر إلا لمن كان مسافراً سفراً مباحاً، وأولى منه السفر الواجب أو المندوب، فخرج من ذلك السفر المحرم والمكروه، فيسن للمسافر سفراً مباحاً قصر الصلاة الرباعية، وهي الظهر والعصر والعشاء، وكذلك له العمل ببقية الرخص من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والفطر في نهار رمضان، وترك السنن الرواتب سوى ركعتي الفجر، ولا يستفيد من هذه الرخص كلها إلا من كان مسافراً سفراً مباحاً.

قال الشيخ رحمه الله: ويسن لمن سافر سفراً مباحاً أن يقصر الرباعية، ولو صلاها أربعاً صحت صلاته، والمسألة فيها خلاف، فقيل: الإتمام مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أتم في سفر، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهذا يشمل الكمية والكيفية، وقيل: القصر واجب ومن أتم فهو آثم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر)، فنقول: إن الإنسان إذا كان مسافراً سفراً مباحاً أو واجباً أو مستحباً فمن السنة أن يصلي الرباعية ركعتين؛ لأن هذا فعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك)، فليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في السفر أربعاً، فالسنة أيها الإنسان إذا كنت في السفر أن تصلي اثنتين.

لكن بعض العلماء قالوا: ليس الأمر مجرد سنة، بل لو صلى أربعاً فقد أتى فعلاً مكروهاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، في الكمية والكيفية.

وقال بعض العلماء: ليس مكروهاً فقط، بل من صلى في السفر أربعاً فهو آثم؛ لحديث عائشة: بأن الصلاة أصلاً كانت ركعتين فزيدت صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر، فبقيت كما هي، والصواب في هذه المسألة هو قول المالكية: بأن القصر في السفر سنة ومن أتم أربعاً فصلاته صحيحة، لكنه ترك الأفضل والأولى، ويشهد لهذا أصلان: الأصل الأول: أن المسافر إذا ائتم بالمقيم صلى أربعاً باتفاق أهل العلم.

والأصل الثاني: أن عثمان رضي الله عنه صلى بالناس في منى أربعاً وصلى خلفه الصحابة رضي الله عنه الله عنهم.

وقد سئل أنس رضي الله عنه فقيل له: ما بال المسافر إذا صلى صلى ركعتين وإذا ائتم بمقيم صلى أربعاً؟ فقال: هي السنة.

وكذلك فعل عثمان رضي الله عنه حين صلى بالصحابة أربعاً في منى وصلوا خلفه، مع أن بعضهم كره هذا الفعل من عثمان، حتى إن عبد الله بن مسعود استرجع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صلوا في منى قصراً، وصلى عثمان في أول خلافته قصراً ثم أتم بعد ذلك.

واختلفوا في سبب إتمامه فقيل: لأنه تأهل؛ أي: تزوج في مكة.

وقيل: لأنه رأى أن الأعراب كثيرون فخشي عثمان رضي الله عنه أن يظن هؤلاء الأعراب أن الظهر والعصر والعشاء ركعتان، ففضل ترك هذه السنة خشية الالتباس على الناس، وهذا أصل مرعي.

وقيل: لأنه كان سلطاناً، والسلطان حيث نزل فالمصر مصره، وهذا تعليل عليل؛ لأن السلطان قبله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبا بكر ثم عمر، فلو كان هذا مرعياً لكان أولئك أولى به.