للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدليل على مشروعية القصر في السفر]

والمسألة الثانية: الدليل على مشروعية القصر مأخوذة من الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء:١٠١]، وأما من السنة فحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: قلت لـ عمر بن الخطاب: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقد أمن الناس؟ فقال عمر: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)، فبين الرسول عليه الصلاة والسلام بأن الآية هاهنا- كما يقول أهل الأصول- وصف كاشف وليس قيداً للاحتراز، وبالمثال يتضح المقال: قال الله عز وجل: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور:٣٣]، فإذا لم ترد الفتاة تحصناً فهل نشجعها على الزنا؟! لم يقل بهذا أحد، لكن قالوا: هو وصف كاشف أي: وصف للحال؛ لأن عبد الله ابن أبي بن سلول لعنة الله عليه كان عنده إماء وكان يكرههن على البغاء، أو أنه قيد خرج مخرج الغالب.

ومثال ذلك أيضاً: قال الله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:٢٣]، فلو أن عندك زوجة، والزوجة عندها بنت من زوج سابق، وأنت لم تر هذه البنت ولا تعرفها، وهي مع خالتها في الصين أفيحل لك نكاحها لأنها ليست في حجرك والله تعالى يقول: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:٢٣]؟

الجواب

لا، بل هي محرمة عليك، والقيد هنا خرج مخرج الغالب، لأن الغالب أن ربيبتي تكون في حجري.

فالقصر جائز لمن كان خائفاً ولمن كان آمناً إذا وجدت العلة وهي السفر.

وأما من الإجماع فقد حكى ابن المنذر وغيره الإجماع على مشروعية القصر في سفر تقصر في مثله الصلاة، كسفر الحج وسفر الجهاد وسفر العمرة.