للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستيطان]

الشرط السادس: الاستيطان بدور، جمع دار، ومثله أخفاف: جمع خف، وهو القصب أو الحصير، والمقصود من هذا الكلام: أن أهل البادية العرب الرحل لا تجب عليهم الجمعة، فهؤلاء الذين يسكنون ههنا ثم بعد شهور لا أثر لهم ولا عين فلا تجب عليهم الجمعة، والاستيطان بدور أي: ما بني بحجر أو أسمنت أو خشب ونحو ذلك، فالمهم أن يكون من المباني.

أما أهل الخيام وهم أهل البادية فلا جمعة عليهم؛ لأن البدو الذين كانوا حول المدينة لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجمعة مع أنهم كانوا مستوطنين في أماكنهم؛ لكونها ليست ببناء، فوجود جماعة تستقر بهم القرية، وكونهم ساكنين في مكان، وعندهم سوق، فهذا دليل على أن هؤلاء القوم مستقرون في هذا المكان، فهؤلاء الذين تجب عليهم الجمعة.

والعدد عند المالكية الذي تنعقد به الجمعة هل يستثنى منه السلطان؟ ثم الشرط الذي قبله نحن قلنا: شرط الجمعة الجماعة فهل يستثنى منهم السلطان؟

الجواب

لا، لابد من وجود الجماعة، ولابد من وجود العدد، ولابد من الخطبتين، فالقول أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في وادي رانونا؛ لكونه سلطاناً فلا يستقيم الاستدلال بمثل هذا.

إذاً: أيها الإخوان! عندنا ستة شروط عند المالكية.

أولها: الجماعة.

ثانيها: الإمام الحر المقيم، الذي تجب عليه الجمعة، وتقدم معنا أن الصحيح والعلم عند الله تعالى أنه يصح أن يصلي بنا الجمعة الإمام إذا كان عبداً، أو كان مسافراً.

الثالث: الخطبتان، وقد يقول شخص: ما دليل اشتراط الخطبتين؟ نقول: التواتر القطعي، قال تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩]، والمراد: الخطبة؛ لأن السعي واجب ووسيلة، فإذا وجبت الوسيلة وجبت الغاية والاستدلال هذا واضح؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى ما قال: فاخطبوا، وإنما قال: (فاسعوا) ونحن نسعى للخطبة لذكر الله، فإذا كان السعي واجباً وهو وسيلة فالغاية واجبة.

كذلك التواتر القطعي أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الجمعة صيفاً وشتاء، شدة ورخاء.

فإذا قلنا بهذا، فما هو مثل الشدة؟

و

الجواب

أنه صلى بالناس الجمعة في تبوك، ومكث تسعة عشر يوماً أليس كذلك؟ وهذه حقيقة لا أستطيع أن أجزم بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في تبوك مسافراً! لكن عندنا غزوة أحد، فقد كانت في يوم السبت، والرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الجمعة، واستشارهم عن وضع خطة؛ لأنه جاءه خطاب من العباس عمه رضي الله عنه بأن أهل مكة قد خرجوا يريدون المدينة، فالرسول عليه الصلاة والسلام بعد الجمعة استشار الناس: ماذا نصنع، هل نبقى في المدينة أو نخرج؟ فكل واحد قال رأيه من الأحداث والشيوخ، وبعد ذلك أتي بجنازة عليه الصلاة والسلام فصلى عليها، ثم دخل فلبس لأمته، أي: عدة الحرب، وقال تلك الكلمة التي صارت مثلاً: (ما كان لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه).

فالتواتر القطعي أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال: نحن في حالة طوارئ نصلي بدون خطبة، لا، وإنما خطب صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الخطبتين، ولو لم تجب الخطبة لكانت الجمعة كغيرها من الصلوات كصلاة الصبح، أو العصر.

هل تبطل الخطبتان إذا أحدث الإمام؟! وبعض الناس يقولون: إذا أحدث الإمام في الخطبة أو تذكر أنه ما كان متوضئاً فإنه يواصل، ولكن المشكلة تبقى في الصلاة بعد ذلك، والمالكية يرون أنه لابد أن يخطب واحد فيما يصلي الثاني، وعند غيرهم يجوز، ولعله الراجح؛ لأنه لا دليل يدل على المنع، وبعضهم قال: تبطل الخطبتان بما يناسبهما كقذف أو لعن فمثلاً: الإمام وهو يخطب -وهذا غير متصور- يقول: وإن فلاناً قد زنا، أو إن فلانة زانية، أو يلعن من لا يستحق اللعن، كأن رأى شخصاً يتخطى الرقاب فقال: اجلس لعنك الله، فالخطبة باطلة! نعم؛ لأن مقتضى الخطبة الوصية بتقوى الله، وهذا الذي يخطب يأتي بما يغضب الله، فإذا لعن من لا يستحق اللعن فخطبته تبطل ويجب عليه أن يستأنف.

لكن لو لعن من يستحق في الخطبة فقال: لعن الله إبليس، أو قال: فرعون لعنه الله، فلا حرج في ذلك إن شاء الله.