للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعي على الأرجل]

السنة الرابعة: السعي على الأرجل لمن قدر على ذلك، ولا يتصور أن أكون ساكناً في هذا المكان وأمشي أصلي في مسجد أبي بكر الصديق مع الشيخ علاء الدين، لكن من قدر على ذلك فبها ونعمت؛ لأن بعض الصحابة من الأنصار من بني سلمة كانت ديارهم بعيدة عن المسجد، فأرادوا أن يرحلوا ويأتوا قريباً من مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (يا بني سلمة! دياركم تكتب آثاركم).

قوله: (ديارَكم) منصوبة على الإغراء، يغريهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك شيء منصوب على التحذير كقوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:١٣]، فهي منصوبة على التحذير، تقديره: احذروا ناقة الله، وهنا (ديارَكم) منصوبة على الإغراء بمعنى: الزموا دياركم، يغريهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يلزموا ديارهم من أجل أن تكتب لهم هذه الخطوات.

قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:١٢] قال مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي تلميذ عبد الله بن عباس رضوان الله عليهم: أي: خطاهم.

فتكتب لك وتجدها يوم القيامة حسنات كأمثال الجبال.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (من غسل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة وقيامها، وذلك على الله يسير).

وبعض الناس يجيء يوم الجمعة في الخطبة الثانية ويبدأ يتخطى الرقاب، وهكذا هذا الذي يفرق بين اثنين، وبعض الناس يبلغ بهم سوء الأدب والعياذ بالله من الخذلان -إلى أن يأتي يوم الجمعة فيقف ينظر إلى الإمام أول شيء، ثم ينظر إلى من يليه فيطلب التفسح ثم يلتفت إلى الذي في شماله ويقول له بيده: أفسح، وهذا لا ينبغي؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن تخطي الرقاب يوم الجمعة من الإيذاء.

فقد جاء حديث وإن كان في سنده مقال: (من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة فقد اتخذ جسراً إلى جهنم).

وقال العلماء: إن التخطي يجوز في حالتين: الحالة الأولى: إذا كان المتخطي من أولي النهى والأحلام.

الحالة الثانية: إذا كانت الصفوف الأولى فارغة، وهذا يحصل كثيراً يوم الجمعة؛ لأن بعض الناس عندما يأتي أول شيء يفعله يفتش عن عمود فإذا لم يجد عموداً يتكئ في آخر المسجد، وبعضهم يحجز الأعمدة فيضطر الباقون إلى البحث عن أعمدة في الخلف.

والتخطي لا يجوز سواء قبل صعود الإمام أو بعده؛ لأن العلة موجودة وهي الأذى، فكما أنك تؤذيني بعد صعود الإمام فإنك تؤذيني قبل صعوده.