للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين)

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران:١٠٠].

هذا هو النداء الثاني عشر من نداءات الرحمن لأهل لإيمان، في الآية مائة من سورة آل عمران، وهو قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران:١٠٠].

سبب نزول هذه الآية كما ذكر أئمة التفسير: أن شأس بن قيس كان شيخاً من شيوخ يهود، وكان شديد الضغن على الإسلام وأهله، عظيم الكفر، شديد الطعن على المسلمين، شديد الحسد لهم.

مر هذا الرجل على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون، فغاضه ذلك فقال: والله ما لنا بهذه الأرض من قرار -أي: إذا اتفق الأوس والخزرج واتحدت كلمتهم-، فأمر شاباً من شباب اليهود أن يذهب إلى ذلك المجلس، ويذكرهم بيوم بعاث، وكان يوماً قد وقعت فيه حرب بين الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس، فذهب ذلك الشاب، وبدأ يستنشد القوم ما قالوا من أشعار في ذلك اليوم حتى غلت الدماء في العروق، وتذكر القوم ما كان بينهم من ثارات وإحن، وتنادوا إلى حمل السلاح، وقال قائلهم: إن شئتم رددناها جذعة، وتواعدوا ظهر الحرة، فعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم وقال لهم: (يا معشر الأوس والخزرج! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة) أي: اتركوا الدعوى للجنس وللقبيلة وللعصبية، فإنها دعوة منتنة وقبيحة لا تؤدي إلى خير، وبدأ صلى الله عليه وسلم يذكر الأوس والخزرج بأن الله أكرمهم بالإسلام، وقطع عنهم أمر الجاهلية، حتى رقت قلوبهم، فألقوا أسلحتهم وعانق بعضهم بعضاً وهم يبكون، يقول الصحابي: فما رأيت يوماً أقبح أولاً ولا أحسن آخراً من ذلك اليوم، وأنزل الله عز وجل هذه الآية وما بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران:١٠٠].

يقول الألوسي رحمه الله: هذا النداء تشريف للأوس والخزرج؛ لأن قبله نداءات لأهل الكتاب وتبدأ بقل، كقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آل عمران:٦٥]، وقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} [آل عمران:٩٨ - ٩٩]، وهنا لم يقل: قل يا أيها الذين آمنوا، وإنما خاطبهم مباشرة من غير واسطة فقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا)).