للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الثبات على الإسلام]

قال الله عز وجل: ((اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))، ظاهر الآية النهي عن الموت، ولكن معناها النهي عن ترك الإسلام حتى يتوفى العبد عليه، ومثله قول يعقوب عليه السلام: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٢] معنى الآية: حافظوا على الإسلام حال صحتكم، من أجل أن يتوفاكم الله عليه؛ لأن عادة الكريم قد جرت أن الإنسان يموت على ما عاش عليه، فمن عاش مسلماً مؤمناً موحداً فإن الله عز وجل يقبضه مسلماً مؤمناً موحداً.

قال الألوسي رحمه الله: وقال بعضهم: المراد بالإسلام هاهنا: الإيمان أي: ولا تموتن إلا وأنتم مؤمنون؛ لأن الإسلام إذا كان مراداً به الأعمال فالأعمال ليست ممكنة عند الموت، وإنما الممكن عند الموت هو الإيمان القلبي، ولذلك في دعاء صلاة الجنازة نقول: (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان)، حال الحياة نريد الحياة على الإسلام، وهو أعمال الجوارح، كالصلاة والزكاة والصيام والحج، فهذه كلها من الخمس التي بني الإسلام عليها، أما الإيمان فهو الأعمال القلبية، وهذا على مذهب من يفرق بين الإسلام والإيمان.

وقول الله عز وجل: ((وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) قال الإمام السيوطي في التحبير: ومن عجيب ما اشتهر في تفسير: (مسلمون) قول العوام: ((وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) أي: متزوجون، قال: وهو قول لا يعرف له أصل، ولا يجوز الإقدام على تفسير كلام الله تعالى بمجرد ما يحدث في النفس أو يسمع ممن لا عهدة عليه، أي: أن المسلم لا يسمع لأي كلام يقال، ثم ينشره بين الناس، وكلام الله عز وجل لا يجوز الإقدام على تفسيره بمجرد الرأي، ومن قال برأيه في كتاب الله فأصاب فقد أخطأ.

ومثله أيضاً ما ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم) فهذا الكلام ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما هو من وضع الناس الذين يحبون الزواج الكثير، بل قد يكون الأعزب من الأخيار المتقين، وكذلك ما نسب إليه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو خشيت من شيء لخشيت أن ألقى الله عزباً).

فهذا ليس حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعني هذا أن المسلم ليس مأموراً بالزواج، بل مأمور به ويحض عليه.

إن السعيد من مات مسلماً، والشقي من مات على غير الإسلام، قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام)) [آل عمران:١٩]، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣]، {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن:١٤]، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].