للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طبيعة العلاقة بين الراعي والرعية]

هذه الآية تقرر طبيعة العلاقة بين الناس وبين ولي الأمر، وفي الآية التي سبقتها أمر الله عز وجل ولاة الأمر بأمرين اثنين: أمرهم بأداء الأمانات إلى أهلها، وأمرهم بالحكم بالعدل، فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:٥٨]، ثم في هذه الآية بين حقوق ولاة الأمر: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ)) أي: اتبعوا كتابه جل جلاله، ((وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)) أي: خذوا بسنته صلوات الله وسلامه عليه، وعظموا أمره ونهيه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:٢٤]، وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من أناس يقول الواحد منهم: أعمل بالقرآن ولا أعمل بالسنة فقال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه، ألا إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله) أي: أن ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: هذا حرام فكأن الله تعالى قال فيه: هذا حرام؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٤]، فهو مؤيد بالوحي من ربه؛ ولذلك كرر الفعل في هذه الآية، فلم يقل: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول؛ بل قال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ))، فكرر الفعل هنا للاهتمام بتحصيل طاعته صلوات ربي وسلامه عليه؛ لتكون أعلى من طاعة أولي الأمر، فنطيعه في كل شيء.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) الأمر هنا هو: الشأن وما يُهتم به من الأحوال والشئون، وأولي الأمر هم أصحاب الأمر الذين بيدهم التوجيه، وإصدار القرارات، وإملاء السياسات.

وطريق ثبوت هذه الصفة لهم إما أن تكون بإسناد ذلك إليهم من الخليفة ونحوه، والآن لعدم وجود خليفة يضم شتات المسلمين قال أهل العلم: إن القائم على إقليم معين أو على قطر معين هو بمنزلة الخليفة أو تكون هذه الولاية ثابتة لهم عن طريق جماعة المسلمين، فالمسلمون هم الذين ولوا فلاناً من الناس عليهم، أو عن طريق صفات الكمال التي تجعلهم محل اقتداء الأمة بهم، وهي الإسلام والعلم والعدالة فالإنسان إذا كان حسن إسلامه، وكان عنده علم، وهو عدل في نفسه وليس بفاسق ولم يأت بشيء من خوارم المروءة فإن الناس يقتدون به.

قوله: ((وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)) قيل: هم الأمراء، وقيل: هم العلماء، ولا معارضة بينهما، فالأمراء بيدهم الحل والعقد، والعلماء أمرنا الله عز وجل بالرجوع إليهم والنزول على حكمهمض فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣]، وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:٨٣]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الأمراء: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني) وهو في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه.