للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنما الطاعة في المعروف]

قال الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ)) فالمتنازعان إما أن يكون الرعية مع الراعي، وإما أن يكون الرعية فيما بينهم، وإما أن يكون العلماء فيما بينهم اختلفوا في مسألة من المسائل أو قضية من القضايا أو نازلة من النوازل، أو الأمراء فيما بينهم، فقد يختلف الأمراء فيما بينهم كما هو حادث في كثير من بلاد الله عز وجل، وسواء كان الاختلاف في شأن من شئون الدين، أو شأن من شئون الدنيا، قال الله عز وجل: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ)) و (شيء) هنا نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم، ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) أي: حال حصول النزاع بينكم يا مسلمون! سواء كنتم أمراء، أو علماء، أو عامة فهذا النزاع ردوه إلى الله والرسول، كما قال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:١٠].

قوله: ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) أي: إلى الكتاب والسنة كما قال مجاهد وغير واحد من علماء السلف، ولذلك قال مروان بن الحكم الخليفة الأموي لـ أبي حازم العبد الصالح: ألستم قد أمرتم بطاعتنا في قوله تعالى: ((وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) فقال أبو حازم: أليس قد نزعت الطاعة عنكم إذا خالفتم الحق بقوله سبحانه: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) أي: إلى القرآن وإلى الرسول في حياته، وإلى أحاديثه بعد وفاته.

((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) أي: أن دليل إيمانكم بالله وباليوم الآخر أنه عند التنازع ترجعون إلى الكتاب والسنة، ((ذَلِكَ خَيْرٌ)) أي: في العاجل، ((وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)) أي: أحسن عاقبة ومآلاً.

لقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي أمراء فيهم شر وعدوان وعدم قيام بحقوق الرعية، فما العلاج؟ قال عليه الصلاة والسلام: (من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية) رواه الشيخان.

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل: (وإن هذه الأمة قد جعلت عافيتها في أولها)، وهذا صحيح ليس فيه شك، فأولها كان يحكمها أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي خيار من خيار من خيار، ثم من جاء بعدهم من هو أقل خير منهم، ولكن الخير ما زال مستمراً، (وإن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتن يرقق بعضها بعضاً) يعني: كل ما جاءت فتنة ونظر الناس في المصيبة وحجم الفتنة فإنهم سيرون أن التي قبلها فتنة رقيقة، (وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)، يقول عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة: الذي يروي هذا الحديث: دنوت من عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت له: أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي، فقال له عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:٢٩] الآية، قال: فسكت عبد الله بن عمرو بن العاص ثم قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله.