للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل في اللقيط]

قال المؤلف رحمه الله: [فصل في اللقيط].

عندنا مؤسسات في مصر لإيواء الأطفال اللقطاء، والطفل اللقيط: هو الطفل المنبوذ، وقد يكون ابن زنا، وقد تكون أمه تخلصت منه فألقته في القمامة، حيث نزع الله الرحمة من قلبها.

قال: [وهو الطفل المنبوذ ومحكوم بحريته].

الأصل فيه أمران: الحرية والإسلام إن وجد في مجتمع مسلم، فإن وجدت في مصر طفلاً في مكان عام فالأصل أنه حر ومسلم، وإن وجدته في مجتمعات الكفر فالأصل فيه الكفر.

قال: [لما روى سعيد عن سفيان عن الزهري: أنه سمع شبيباً أبا جميلة قال: وجدت ملقوطاً فأتيت به عمر فقال عريفي: يا أمير المؤمنين! إنه رجل صالح.

فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم.

قال: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته].

إذاً: ينفق على الطفل اللقيط من بيت مال المسلمين.

فالطفل المنبوذ يختلف عن اللقطة، فإن الطفل لا يعرف، فلا تعتقد أن طفلاً يلقى في الطريق يكون لقطة؛ لأنه قد يكون ضاع من أمه.

وعلى الطفل اللقيط زكاة، وزكاته على الذي يعيش عنده.

قال: [ويحكم بإسلامه في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم؛ لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها].

دار الإسلام: هي الدار التي يسكنها مسلمون وتعلن فيها الشعائر، ولا يضطهد المرء فيها عن أمور دينه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن يأتوا قرية، فينتظروا حتى يسمعوا الأذان، فإن سمعوه وإلا غزوهم، فالمعيار الذي يميز الديار هو الشعائر، ومن العجيب أن هناك فكراً يقول: إن بلاد المسلمين اليوم مجتمعات جاهلية، لكن أقول: المعيار أن تأمن على شعائر الدين، فالمرأة تصلي وتصوم وتزكي وتحج وتلبس الخمار وتلبس الحجاب الشرعي، وفي كل الأمور الشرعية لا تضطهد، فهي الآن في دار إسلام يعلن فيها النداء بدون مشقة، والأصل فيها بناء المساجد والناس فيها تأمن على دينها، ونحن الآن والحمد لله رب العالمين في دار إسلام فيها معاصٍ، فهناك فرق؛ لأن الذي يقول: إن ديار الإسلام ديار كفر فهذا مصيبته كبيرة؛ لأنه في دار الكفر تسقط الحدود وتسقط حرمة الأموال وغيرها.

قال: [ويحكم بإسلامه في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم؛ لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها.

وما يوجد عنده من المال فهو له].

وجدت طفلاً ومعه مال أو ذهب، فهذا المال هو ملك الطفل.

قال: [وكذلك ما يوجد عليه من الثياب والحلي، أو تحته من فراش أو سرير أو غيره؛ لأنه آدمي حر فأشبه البالغ.

وولايته لملتقطه إذا كان مسلماً عدلاً].

فلا ينسب إليه، إنما يقوم على رعايته من وجده.

[لحديث أبي جميلة، يعني: ولاية حفظه والإنفاق عليه ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه، وما خلفه فهو فيء].

يعني: ما خلفه الطفل اللقيط هو فيء، اقرأ في سورة الحشر: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر:٦].

والفرق بين الغنيمة والفيء: أن الغنيمة ما أخذ بعد القتال، معركة نتج عنها غنائم، أما الفيء: ما أخذ من أموال المشركين دون قتال، ففي غزوة بني النضير أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن حصونهم دون قتال فما تركه بنو النضير له حكم الفيء، قال تعالى في سورة الحشر: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر:٧] سبحان الله! هذه الآية معيار اقتصادي نموذجي للمجتمعات التي فيها فقراء، ومعنى الآية: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ) يعني: ما خلفه بنو النضير من فيء ((فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)) أي: الخمس كما قال تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:٤١]، ثم بعد ذلك يوزع الأربعة أخماس على ذي القربى واليتامى والمساكين، كل واحد له الخمس، وخص الله هذه الأصناف دون غيرها حتى لا يصبح المال متداولاً بين الأغنياء، لكن في مجتمعات الضلال تصبح الملايين في يد القلة والباقي للفقراء، ففي كتاب الله عدالة توزيع الدخل، فقد أعطى الله الفقراء من المهاجرين هذا الحق، قال تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال:٤١] أي: من قربى النبي صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا معه، وتركوا أموالهم وتركوا ديارهم.

قال: {وَالْيَتَامَى} [الأنفال:٤١] واليتيم: الذي لا يجد عائلاً، قال: {وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:٤١] كلهم فقراء.

قال: [وما خلفه فهو فيء؛ وذلك أن ميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال].

هب أن اللقيط قتله رجل بسيارته فعلى الرجل دية قتل الخطأ، وتكون هذه الدية لبيت المال؛ لأن اللقيط لا وارث له ولا أب ولا أم ولا عصبة ولا محارم.

قال: [إن لم يخلف وارثاً معروفاً كغيره من المسلمين، وأ