للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حفظ الوديعة في حرز مثلها والأحكام المترتبة على ذلك]

قال المؤلف رحمه الله: [ويلزمه حفظها في حرز مثلها].

ومعنى حرز المثل: حرز مال المثل، فالتسجيل يكون في مكان في البيت، والمال في الخزنة، والملابس في الدولاب، فإن أعطيتك قميصاً أمانة عندك من الجمعة إلى الجمعة القادمة، فأخذت أنت القميص ووضعته فوق السطح، وأتى السارق وأخذه؛ فإنك في هذه الحالة لم تحفظ الوديعة؛ لأن وضعه العادي في الدولاب وأن تغلق عليه الدولاب.

قال: [فإن تركها في دون حرز مثلها ضمن].

يعني: يلزمه الضمان إن حفظها في حرز ليس هو حرزها.

قال: [لأن الإيداع يقتضي الحفظ، فإن أطلق حمل على المتعارف وهو حرز المثل، وهو ما جرت العادة بحفظ مثلها فيه، والدراهم والدنانير في الصناديق من وراء الأقفال، والثياب في البيوت والمخازن من وراء السكاكر والأغلاق، والخشب في الحظائر، والغنم في الصُّبَر].

يعني: كل شيء له حرز، مثال ذلك: أعطيتك خروفاً وديعة عندك، فوضعت أنت الخروف في السيارة، فجاء اللص وأخذ الخروف من السيارة، فإنه يلزمك في هذه الحالة الضمان؛ لأن الخروف مكانه في الحظيرة وليس في السيارة، فكان يجب عليك أن تضع الخروف في الحظيرة مع رفاقه -هذا الحرز- وأن تغلق باب الحظيرة عليه، وهكذا إن فرط المودع يعاقب بالضمان.

قال: [فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعلها في دونه ضمن؛ لأن صاحبها لم يرضه].

يعني: إن أمرتك أن تضع المال في خزنتك شرطاً مني عليك، فإذا بك تضع المال تحت المخدة، وجاء اللص وأخذ المال من تحت المخدة، فأنت في هذه الحالة وضعته في حرز أدنى ويلزمك الضمان؛ لأنك لم توف.

قال: [فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعله في دونه ضمن؛ لأن صاحبه لم يرضه، وإن أحرزها في مثله أو فوقه لم يضمن].

كأن أقول لك: خذ الألف جنيه أمانة عندك على أن تضعها تحت وسادتك، فوضعتها في الخزنة وسرقت، ففي هذه الحالة لا أضمن؛ لأنني وضعتها في حرز أعلى.

قال: [وقيل: يضمن؛ لأنه خالف أمره].

لكن الصواب: أنه لا يضمن.

قال: [وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها أو لبس الثوب فتلف ضمن].

قلت لك: خذ هذه السيارة ضعها في جراشك وديعة أمانة لمدة أسبوع حتى أسافر وآتي، رأيت السيارة وأعجبتك، قلت: آخذها في مشوار، وعندما تحركت بها إذا بك تضربها في عمود، يلزمك الضمان؛ لأنك استخدمت الوديعة بغير إذن صاحبها، وهذه أمانة لا يجوز أن تركبها إلا بإذن صاحبها، فإن أذن لك ثم صدمت فلا شيء عليك، طالما أنك لم تفرط.

قال: [وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها، أو لبس الثوب فتلف ضمن؛ لأنه تعدى فيها فبطل استئمانه، وإن خلطها بما لا تتميز منه فقد فوت على نفسه إمكان ردها بعينها فوجب أن يضمنها، كما لو ألقاها في مهلكة].

مثال ذلك: لو وضع العشرة آلاف جنيه مع نقوده ولم يميز، وسرقت من الخزنة عشرة آلاف جنيه يلزمه الضمان؛ لأنه لم يميز الوديعة عن غير الوديعة.

قال: [وإن أخرجها لينفقها ثم ردها ضمن؛ لأنه هتك الحرز بغير عذر].

مثال ذلك: وضع شخص عندي ألف جنيه أمانة، فأتى إلي شخص وقال: أريد ألف جنيه قرضاً، فإن أعطيته الألف التي هي أمانة عندي ولم يردها لي ضمنت، طالما أنها أمانة فمن الأولى ألا أتصرف فيها.

قال: [وإن كسر ختم كيسها ضمن].

مثال ذلك: أعطيتك نقوداً في حرز وعليها شمع أحمر، فجئت أنت وأزلت الشمع وفضضت الحرز وضاع المبلغ، ففي هذه الحالة تضمن؛ لأنك فككت الحرز.

قال: [وإن جحدها ثم أقر بها ضمنها].

مثال ذلك: أعطيت شخصاً ألف جنيه، وبعد أيام قلت له: أين الأمانة؟ قال: ما أعطيتني شيئاً، فجحدها، فأصررت عليه حتى أقر بها، وذهب إلى الخزنة ولم يجد الألف جنيه فهنا ضمن؛ لأنه فقد الأمانة؛ ولأنه جحدها فلم يعد عندنا أميناً.

قال: [وإن جحدها ثم أقرها ضمن].

يعني: إن ضاعت ضمن قيمتها؛ [لأنه بجحده بطل استئمانه عليها] أما إذا نسي فهذه مسألة أخرى.

قال: [وإن امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها؛ لأنه تعدى].

أعطيتك ألف جنيه في هذا الأسبوع، وفي الجمعة القادمة أتيتك فقلت لك: أين الألف جنيه؟ قلت لي: آسف اليوم لا أستطيع أن آتيك بها، فقد أنفقتها في شيء، غداً إن شاء الله أسلمها لك، ففي هذه الحالة يلزمه الضمان؛ لأنه صرفها بغير إذن صاحبها ففقد الأمانة.

قال: [لأنه تعدى بالامتناع من ردها فصار كالغاصب].

أرأيتم حكم الوديعة أيها الإخوة! استخلف النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليرد ودائع المشركين، وبعض الناس يستحل أموال غير المسلمين، ويقول: لأنهم كفار، أو يستحل أموال النصارى وهذا لا يجوز أبداً؛ لأنه معاهد أو مستأمن، حتى وإن كان كافراً لا يجوز أن تأخذ ماله، فطالما أنه أعطاك الوديعة بطيب نفس لابد أن تحفظها.

قال: [وإن قال: ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه؛ لأنه مكذب لإنكاره الأول، معترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة.

وإن قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى ردها أو تلفها قبل].

يعني: قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى أنه ردها، أو تلفها قبل؛ لأن القول هو قول المودع الأمين.