للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم استئجار العين]

قال المؤلف رحمه الله: [ويشترط معرفة الأجرة كما يشترط معرفة الثمن في المبيع، وإن وقعت الإجارة على عين فلابد من معرفتها].

أنا سأستأجر منك عيناً، لابد أن أعرف أين هذه العين؟ فمثلاً: أجر فلان لفلان شقة في الدور العشرين في جهة الشمال، فيها ثلاث غرف وصالة ودورة مياه مقابل ثلاثمائة جنيه دون أن يعاين، فخرج إلى الشقة وصعد في الدور العشرين، فوجدها أقل من ثلاث غرف وعلى خلاف ما اتفقا، فلابد أن يعاين قبل توقيع عقد الإيجار، فإن هذا مدعاة لخلق المنازعات بين الناس.

قال: [وإجارة العين تنقسم قسمين: أحدهما: أن يكون على مدة، كإجارة الدار شهراً، أو العبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة، فيشترط معرفتها؛ لأن الأعيان تختلف فتختلف أجرتها، كما أن المبيعات تختلف فتختلف أثمانها.

القسم الثاني: إجارتها لعمل معلوم].

فالإجارة نوعان: إما إجارة لمدة وإما إجارة لعمل، ومعنى الإجارة لمدة: استأجرت منك هذه الدار لمدة شهر أو لمدة سنة، أو استأجرت خادماً ليعمل عندي ثلاثة أشهر، أو استأجرته ليعمل في داري مدة ثلاثة شهور، ومعنى الإجارة لعمل: ارفع هذا الطوب من الدور الأرضي إلى الرابع، فهذا إجارة عمل، فظل يرفع الطوب من الصبح إلى المغرب أو من الصبح إلى الظهر؛ لأن الاتفاق على أن الألف طوبة ترفع إلى الدور الرابع، فيرفعها في ساعة أو في ساعتين أو في ثلاث ساعات، الاتفاق هنا على عمل وليس على مدة.

قال: [كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان معين].

استأجرت منك سيارة على أني أركبها من القاهرة إلى بلبيس، إذاً: هذه إجارة لعمل، فيحظر علي أن أصل بها إلى الصالحية القديمة؛ لأنني اتفقت معك إلى بلبيس.

طيب لو أنني استأجرت منك السيارة على أن أصل بها إلى بلبيس، فوصلت بها إلى أقل من ذلك جاز؛ لأنني استخدمت السيارة في أقل من المسافة المحددة بيني وبينك، وهذا لمصلحتك أنت، بدلاً من أن أسير بها خمسين كيلو سرت بها عشرين كيلو.

الحمد لله رب العالمين، فهذه المصلحة للمالك.

فلذلك يقول هنا: [ومن استأجر شيئاً فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه].

مثلاً: اتفقت معك على أن ترفع ألف طوبة حمراء من الدور الأرضي إلى الدور الرابع مقابل خمسين جنيهاً، فتأخر الطوب، وجاري عنده ألف طوبة مثلي، فقلت لك: ارفع هذا الطوب من الأرض إلى الدور الرابع لجاري محمد.

فهذا جائز؛ لأنك الآن تتفق على عمل، بغض النظر عن صاحبه.

قال: [ومن استأجر شيئاً له أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه].

فإن اتفقت معك على أن تنقل لي الحجارة إلى الدور الرابع، ثم بدا لي أن أحول العمل إلى أخي في الدور الثاني فهذا أدنى من العمل المتفق عليه، وهو لصالح المستأجر ولا بأس به.

قال: [فإذا اكترى داراً فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر؛ لأنه لم يزد على استيفاء حقه، ولا يجوز أن يسكنها من هو أكثر ضرراً منه؛ لأنه يأخذ فوق حقه].

استأجرت منك شقة بغرض استعمالها سكناً لمدة سنة، فبدا لي أن انتقل إلى مكان آخر وأن أعطي الشقة لأخي بنفس القيمة الإيجارية، فأنت لن تتضرر طالما أنها تستخدم في السكن بنفس الأجرة، لكن إن استأجرت منك محلاً لبيع الكتب الإسلامية، فإذا بي أريد أن أحول المحل إلى مقهى للعب الضمنة! فهذا لا يجوز؛ لأنني أضرُّ بك.