للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوقف يكون بالقول والفعل الدال عليه]

قال المصنف رحمه الله: [يصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه].

فإذا بنيت مسجداً ووضعت عليه المكبر، وفتحت بابه، وأذنت فيه للخمسة الفروض فهذا معناه أنني أوقفته بالفعل، فلا أقف وأقول: هذا المسجد أوقفته لله، فاحضروا صلوا فيه.

قال المصنف رحمه الله: [مثل: أن يبني مسجداً ويؤذن في الصلاة فيه، أو سقاية ويشرعها للناس؛ لأن العرف جارٍ به، وفيه دلالة على الوقف، فجاز أن يثبت به كالقول].

فيجوز الوقف بالقول أو بالفعل.

قال المصنف رحمه الله: [وجرى مجرى من قدم طعاماً لضيافة أو نثر نثراً أو صب في خوابي السبيل ماء].

فلو جاءك في البيت ضيف فأحضرت الأكل وقربته بين يديه فهذا الفعل ينبئ عن إذنك له بالأكل، ولا يشترط أن تقول له: كل.

وبعض الإخوة يقول: ينتظر حتى يقول: كل، بل كل مباشرة ولا حرج.

ومعنى نثر نثراً يعني: المال، فما نثره إلا ليأخذه الناس، كنثر أهل نيسابور على البخاري، فـ محمد بن إسماعيل البخاري لما أتى نيسابور استقبلوه على بعد مراحل، ونثروا عليه الدراهم والدنانير؛ ابتهاجاً بقدومه إلى بلدهم.

فقالت أم لولدها: من هذا الذي ينثرون على رأسه الدنانير؟ قال: هذا محمد بن إسماعيل البخاري أبو عبد الله، قالت: يا ولدي! ذاك هو الملك لا ملك هارون، يعني: هذا هو الملك الحقيقي ملك العلم، فالناس يقابلون العالم بالفرح ويسعدون بقدومه.

ولذلك قال الإمام أحمد لأهل الظلم والطغيان: بيننا وبينكم الجنائز، وهذه الكلمة يفهمها بعض الإخوان خطأً، والمقصود: أنه عندما ترى جنازة مطرب أو مغن أو موسيقار الأجيال تجد في الصف الأول عازف الأوركسترا، وفي الصف الثاني: أصحاب الأورج، وفي الصف الثالث: المطربون الشبان، فلا يتبع المطرب إلا أهل الغناء، وأما العالم فإنه يتبعه حفظة القرآن والعلماء، فالعلماء في الصف الأول، وحفظة القرآن بجوارهم، ثم واعظوا المساجد وطلبة العلم.

والطيور على أشكالها تقع.

وعندما مات الشيخ ابن عثيمين جاءت له الوفود من كل الدنيا، من الإمارات ومصر والخليج وغيرها لتتبع جنازته.

قال المصنف رحمه الله: [وعنه: لا يصح إلا بالقول]، يعني: للإمام أحمد رواية أخرى: وهي أن الوقف لا يصح إلا بالقول، ولكن الراجح أنه يصح بالقول والفعل، وقول الإمام أحمد: لا يصح الوقف إلا بالقول هو مذهب الشافعي رحمه الله، حيث يرى أن الوقف لا يصح إلا بالقول.

ومن ثراء المذهب الحنبلي أن فيه أكثر من رواية، وكل رواية فيه تقابل مذهباً، فـ الشافعي يرى أن الوقف لا يجوز إلا بالقول، والراجح أنه يجوز بالقول والفعل، وقول الشافعي هذا يقابل رواية عند أحمد.