للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة الصلاة]

الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:٣].

وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فنشرع بعون الله وفضله وتوفيقه في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمرنا أن نصلي كما صلى، فقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وفي الحديث: أنه رأى رجلاً يسيء في صلاته -وما أكثر من يسيء في صلاته- فقال له: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فأمره بإعادة الصلاة؛ لأنه لم يصل على الكيفية التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم.

والمتأمل في حال الأمة اليوم يجد أن كثيراً من الناس يصلي وهو لا يصلي؛ لأنه يجهل كيف صلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كنا في مسجد واحد نختلف فيما بيننا، فهذا يرفع وهذا لا يرفع، وهذا يضع يده على صدره وهذا يضع يده تحت سرته، وهذا يضعها عن يساره، وهذا يضعها عن يمينه إلى غير ذلك من الاختلاف الذي لا ينبغي أن يكون، لاسيما بين أهل السنة الذين يلتزمون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك خصصت هذا الحديث عن صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، مع اعتبار أن هناك أموراً فيها خلاف بين العلماء، سنحصرها ثم نبين الراجح منها، مع العلم أنك قد تختلف معي في وجهة النظر في هذه المسألة، لكن سأذكر الرأي الراجح نقلاً عن أهل العلم.

ومن هذه المسائل: مسألة وضع اليمنى على اليسرى بعد الاعتدال من الركوع.

ومسألة النزول إلى السجود: هل يكون على الركبتين أم على اليدين قبل الركبتين؟ ومسألة تحريك السبابة في التشهد: هل تحرك أم لا تحرك؟ وما الفرق بين الحركة والقبض والبسط؟ ومسألة: الفرق بين التورك والافتراش، ومتى تتورك ومتى تفترش؟ ولبيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أقرأ أولاً متن العدة، ثم أقوم بالشرح والتعليق مع بيان المرجوح في هذا الكتاب من أقوال العلماء.

قال رحمه الله: [باب صفة الصلاة: إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، يجهر بها الإمام، وبسائر التكبير ليسمع من خلفه، ويخفيه غيره، ويرفع يديه عند ابتداء التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، ويجعلهما تحت سرته، ويجعل بصره إلى موضع سجوده، ثم يقول (سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، ثم يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١] ولا يجهر بشيء من ذلك؛ لقول أنس: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).

ثم يقرأ الفاتحة، ولا صلاة لمن لم يقرأ بها إلا المأموم، فإن قراءة الإمام له قراءة، ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه، ثم يقرأ بسورة تكون في الصبح من طوال المفصل -بكسر الطاء- وفي المغرب من قصاره، وفي سائر الصلوات من أوسطه، ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأولين من المغرب والعشاء، ويسر فيما عدا ذلك.

ثم يكبر ويركع ويرفع يديه كرفعه الأول، ثم يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه، ويمد ظهره، ويجعل رأسه حياله، ثم يقول: سبحان ربي العظيم.

ثلاثاً.

ثم يرفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه كرفعه الأول، فإذا اعتدل قائماً قال: ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ويقتصر المأموم على قول: ربنا ولك الحمد.

ثم يخر ساجداً مكبراً، ولا يرفع يديه، ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه، ويجافي عضديه عن جنبه، وبطنه عن فخذيه، ويجعل يديه حذو منكبيه، ويكون على أطراف قدميه، ثم يقول: سبحان ربي الأعلى.

ثلاثاً.

ثم يرفع رأسه مكبراً، ويجلس مفترشاً، فيفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى ويثني أصابعها نحو القبلة، ويقول: رب اغفر لي.

ثلاثاً.

ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى، ثم يرفع رأسه مكبراً وينهض قائماً، فيصلي الثانية كالأولى.

فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشاً، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، يقبض منهما الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة في تشهده، ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

فهذا أصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد يقول: اللهم صل على محمد