للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب صلاة المسافر]

(باب صلاة المسافر).

سمي السفر سفراً لعلتين: العلة الأولى: لأنه يسفر عنه أخلاق الرجال، يعني: يظهر المعادن؛ لذلك لا تعرف الرجل إلا في السفر.

العلة الثانية: لأنه إذا سافر برز خارج البلدة، فمنه سفور المرأة يعني: ظهور المفاتن، فحينما تخرج من محيط بلدك تبرز أي: تظهر، فسمي السفر سفراً لهاتين العلتين.

قال رحمه الله تعالى: [والمسافر إذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً -وهي مسيرة يومين قاصدين- وكان مباحاً فله قصر الرباعية خاصة].

مذهب الإمام أحمد في هذا مرجوح؛ لأنه قيد القصر بمسافة قدرها ستة عشر فرسخاً.

أي: أربعة أبرد أو ثمانية وأربعون ميلاً، أو اثنان وثمانون كيلو، والراجح عند العلماء -وهو اختيار شيخ الإسلام - مطلق السفر، أي: ما يسميه الناس سفراً يجوز لك أن تقصر فيه الصلاة، ولا تقيده بمسافة؛ لأن من قيد لا دليل معه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قصر في فتح مكة تسعة عشر يوماً، فإن كنت أنا مسافراً من (القاهرة) إلى (أسيوط) وسأمكث في (أسيوط) أسبوعاً -أي: حددت مدة الإقامة- هل يجوز لي أن أقصر؟

الجواب

لا؛ لأني نويت أن أقيم أكثر من رأي الجمهور: أربعة أيام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة تسعة عشر يوماً؛ لأنه لا يدري متى سيرحل؟ ربما سيرحل بعد ساعة، وربما يرحل غداً أو بعد غد أو بعد شهر، فطالما أنك مسافر ولا تعلم متى الرحيل فإنه يجوز لك أن تقصر الصلاة، لكن إن حددت مدة الإقامة وهي أكثر من أربعة أيام فليس لك أن تقصر الصلاة، وإنما تتم منذ نزولك إلى البلدة؛ لأنك الآن في حكم المقيم.

ووهم البعض فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قصر وهو يرى مشارف المدينة.

قلت: قصر لأنه على متن السفر، وليس لأن هذه المسافة هي التي يجوز فيها القصر، فلا نقل: إنك قصرت على هذه المسافة، ولكن نقول: إنك قصرت لأنك فارقت البلد وشرعت في السفر.

من العلماء والصحابة من قال: إن مدة القصر تسعة عشر يوماً، فمن زاد عن هذه المدة فليس له أن يقصر، قلت: الراجح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر هذه المدة لأنه أقامها، ولو أقام عشرين يوماًً لقصر، ولو أقام واحداً وعشرين يوماً لقصر؛ فلا يجوز أن نقول: إن القصر تسعة عشر يوماً.

قال: [والمسافر إذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً، وهي مسيرة يومين قاصدين، وكان مباحاً؛ فله قصر الرباعية خاصة].

أي: أن الإمام أحمد يشترط لقصر الصلاة في السفر: أولاً: المسافة.

ثانياً: أن يكون السفر مباحاً.

فمن سافر للمصيف عند الإمام أحمد: لا يقصر، والراجح: أنه يقصر، وهذا اختيار شيخ الإسلام وقد حقق المسألة.

قال الإمام أحمد: لأن الرخص لا تعطى إلا للمؤمن التقي، ولا تعطى للفساق، مثال ذلك: رجل سافر ليشاهد حفل رقص في مكان ما، فهل يجوز له أن يقصر الصلاة؟

الجواب

لا، فعند أحمد: لا بد أن يكون السفر مباحاً أو يكون سفر طاعة، فإن كان سفر معصية فعند أحمد لا يجوز له أن يقصر، والرأي الراجح: أنه يقصر وعليه إثم المعصية، فهذه مسألة وتلك مسألة ثانية.

قال رحمه الله: [فله قصر الرباعية خاصة]، فلا قصر للثلاثية ولا الثنائية، لا يقصر الفجر ولا المغرب، وإنما القصر للظهر والعصر والعشاء.