للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يقول من مر على القبور وزارها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويقول إذا مرَّ بها أو زارها ما رواه مسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله العظيم لنا ولكم العافية)].

ومن الدروس المستفادة من هذا الدعاء: أولاً: ينبغي أن يكون الدعاء لنفسك، كما في قوله: (نسأل الله لنا ولكم).

فحينما تدعو فادع أولاً لنفسك.

ثانياً: قوله: (السلام عليكم)، فيه دليل على أن الميت يسمع.

والذين قالوا بعدم سماع الموتى قد يقصدون بالسماع غير ما نقصد؛ لأن السماع في القرآن الكريم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: - سمع بمعنى استماع الصوت، كما في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:١].

فمعنى سمع هنا: سمع صوتها.

- وسمع بمعنى الإجابة، مثل قول المصلي بعد الاعتدال من الركوع: سمع الله لمن حمده، أي: استجاب الله لمن حمده، وكقول الكفار كما في سورة الملك: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١٠]، والكفار الآن يسمعون عبر الأقمار الصناعية، وإنما نفوا عن أنفسهم سماع الإجابة، فهم سمعوا ولكن ما استجابوا، فكأنهم لم يسمعوا.

- وسمع بمعنى الفهم، كقوله تعالى في سورة البقرة: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة:١٧١].

فالله يضرب مثلاً للكافر الذي لم يستجب لأمر الله بأن حاله كحال الحمار، فالحمار حينما تقول له أي كلمة فإنه لا يفهم الكلام، بل يدرك الصوت فقط، ولا يدرك المقصود من ذلك، ولا يقدر على ترجمة الكلام.

فهو يسمع الصوت ولكن لا يفهم معناه، فربما سمع الإنسان الصوت، وربما استجاب له، ولكنه لم يفهم.

وكمثل لو خاطبك رجل باللغة الألمانية وأنت لا تعرف اللغة الألمانية فإنك تدرك الصوت وتسمعه، ولكنك لا تفهم ما يقول.

فقد يكون مقصود من قال بعدم سماع الميت: أن السمع المنفي عنه سمع الإجابة وليس سمع الإدراك؛ لأن الميت يسمع قرع نعال أصحابه بعد انصرافهم من دفنه، وهذا في البخاري.

وبعض العلماء قال: لا يسمع إلا أصوات النعال فقط.

ولكن مقصود الحديث الإشارة إلى أنه يسمع، ويدرك الصوت.

وفي قوله: (السلام عليكم) الكاف هنا للخطاب، ولو كان الميت لا يسمع لكان من الأولى أن نقول لهم: السلام عليهم؛ لأنهم غائبون عنا ولا يدركون، فقول: (السلام عليكم) فيه إلقاء السلام على المخاطب، فالميت يسمع الصوت، ولكنه لا يملك الإجابة.

وقال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:٢٢].

معنى هذه الآية: أن حال الكفار حينما سمعوا دعوتك يا محمد ولم يستجيبوا لك كحال الأموات حينما يسمعون من يناديهم ولا يستجيبون.

فالموتى يسمعون ويدركون الصوت.

وأما القول بأن الموتى لا يسمعون ففيه تحجر ومراد قائله أن يسدوا ذريعة الذين يطوفون حول القبور وينادون أصحابها، فقالوا: الموتى لا يسمعون.

فالأدلة على سماعهم واضحة، ونحن نقول بسماعهم، ولكنهم لا يملكون شيئاً لأنفسهم.

ولما جمع النبي عليه الصلاة والسلام أهل بدر من المشركين في القليب نادى عليهم: (يا شيبة بن ربيعة! يا عتبة بن ربيعة! يا أبا جهل! هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً.

فقال عمر: يا رسول الله! أتنادي على أجساد قد أرمت؟! قال: والله يا عمر! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستجيبون).

فأثبت لهم سماع الصوت، ونفى عنهم الإجابة.

وهناك من العلماء من يقول بخصوص هذه القصة، ونحن نقول: الأصل العموم.

وفي قوله: السلام عليكم، الكاف هنا للخطاب، والمخاطبون هم الموتى.

وحينما آمرك أن تلقي السلام على من لا يسمع فهذا عبث، وإنما أقول لك: قل: السلام عليهم؛ باعتبار أنهم غائبون عنك.

والحديث في البخاري: (الميت يسمع قرع نعال أصحابه إذا انصرفوا).

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا كلام قال فيه بسماع الموتى.

نسأل الله العظيم لنا ولكم العافية.