للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم صيام الست من شوال ممن عليها قضاء من رمضان]

فإن قيل: امرأة أصابها الحيض في رمضان ثم جاء شوال.

هل تصوم ما عليها من أيام في رمضان، أم تصوم الأيام الست من شوال قبل قضاء رمضان؟

الجواب

اختلف العلماء في هذه المسألة، والراجح: قول الجمهور: أنه يجب عليها القضاء أولاً، ثم إن كانت تستطيع صيام شوال فلا بأس؛ لأن صيام شوال مندوب، والواجب ينبغي عليها أن تحصّله؛ لأن الأعمار غير مضمونة، فربما تموت في نهاية شوال، فتسأل عن الواجب الذي فرطت فيه.

ثانياً: يقول علماؤنا أصحاب البصيرة: إن المتأمل في الحديث يجد فيه الإجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) فالتي عليها القضاء لم تصم رمضان، فلا بد أن تستكمل الصيام أولاً، فإن قال قائل: هذا واجب موسّع، يجوز أن أقضيه متى شئت، وكانت عائشة رضي الله عنها تقضي ما عليها في شعبان، أقول: وما أدراك أن عائشة رضي الله عنها كانت تصوم أيام شوال؟ فيلزمك أن تدلل لنا أن عائشة كانت تصوم في شوال ولن تجد إن شاء الله تعالى؛ وذلك لأن الإمام مالك يرى أن صيام أيام شوال ليس عليه عمل أهل المدينة.

قال: [إلا أن يكون الصوم منذوراً فيصام عنه].

إذا مات وعليه صوم نذر فإن الراجح: أن يصام عنه؛ لأن النذر واجب بالشرع وليس بالشرط.

قال: [وكذلك كل نذر طاعة؛ لما روى البخاري عن ابن عباس: (قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأقضيه عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدى ذلك عنها؟ قالت: نعم.

قال: فصومي عن أمك) رواه البخاري].

وهذا الحديث حجة عند الجمهور للقياس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب للمرأة مثلاً بالقياس فقال: (أرأيت لو كان على أمك دين) فأراد لها أن تقيس حق الله على حق الآدمي، فدين الله أحق بالقضاء، فهو يقرب لها المعنى عن طريق القياس، وهذا الحديث حجة من حجج الجمهور خلافاً لأهل الظاهر الذين قالوا: لا قياس.

قال رجل من أهل السنة لرجل من أهل الظاهر: رب العالمين يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧ - ٨] فما تقول فيمن يعمل نصف مثقال ذرة؟ فهو يريد من الظاهري أن يعمل عقله في القياس، فإنه من يعمل نصف ذرة يجد نصف ذرة، ومن يعمل ذرة يجد ذرة، فقال الظاهري: أبلع ريقي حتى أجيب، قال: أبلعتك دجلة، قال: أمهلني ساعة، قال: أمهلتك إلى قيام الساعة، لن تستطيع الإجابة إلا بالقياس، فالذين أنكروا القياس في الحقيقة هم يتخبّطون؛ لأن الله قال: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:٢٣] فالله نهانا أن نقول لآبائنا: أف، وهذا يسمى قياس الأولى.

والمعنى: أنه إذا نهاك عن الأف فمن باب أولى ينهاك عن الأعلى، فلا يُعقل أن يقول قائل: أنا لن أقول لأبي: أف إنما سأضربه؛ لأن الله نهاني عن الأف ولم ينهني عن الضرب، نقول: عقلك فيه خلل؛ لأن الله حينما ينهاك عن الأدنى فمن باب أولى ينهاك عن الأعلى، وهذا يسمى قياس الأولى، فالقياس حجة بدون أدنى شك.