للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أفضل الصيام بعد شهر رمضان]

قال: [وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم].

هنا إشكال علمي يحتاج إلى أن نجيب عنه وهو: النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان أكثر من المحرم، مع أنه كان يقول: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، فكيف ذلك؟ وللإجابة على هذا الإشكال قال الإمام النووي في شرح مسلم معلقاً على هذا الإشكال العلمي: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان يقضي بعض الأيام التي فاتته من النوافل في حال الجهاد والأعذار، فيجمعها في شعبان، فيترتب على ذلك أن شعبان يكون أكثر صياماً من شهر الله المحرم.

كذلك أيضاً فإن صيام شعبان بمثابة نافلة التطوع للإقدام على الفريضة، فحال شعبان مع رمضان كحال سنة الظهر مع الظهر، للاستعداد لدخول الفريضة، فالنافلة سياج وحماية وحفظ للفريضة، لذلك حينما يصاب الإنسان بفتور أو بكسل ولم يكن يصلي النوافل فإن ذلك يجرح في الفريضة، لكن إذا كان يكثر من النوافل فإن الفتور أو الكسل يجرح النافلة ويحافظ على الفريضة، ولذلك كانت النافلة حفاظاً على الفريضة من الجرح، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى).

أي: أن النفس لها إقبال وإدبار، فلا يمكن أن تكون على مرتبة واحدة بحيث أنها في كل يوم تستطيع أن تقرأ عشرة أجزاء، وتقوم ثلث الليل أو أكثر، فهذا لن يكون، لذلك فإن ابن مسعود بكى في مرض موته، وقال: إن مرض الموت جائني في حال الفتور، وكنت أحب أن يأتيني في حال النشاط، فالنفس لها إقبال، فحينما تجد من نفسك نشاطاً فاستغل ذلك النشاط في عبادة الله، وحينما تجد فتوراً فلا يكن بحيث يجرح الفريضة، فإذا وجدت نشاطاً فاقرأ خمسة أجزاء مثلاً فإن كان في اليوم التالي فيه فتور فاقرأ ثلاثة، وإن كان في اليوم الثالث فيه فتور فاقرأ جزأين وهكذا، فإذا وجدت من نفسك نشاطاً فاغتنم فيه طاعة.

يقول: [لما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)]، والمحرم من الأشهر الحرم، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:٣٦] فهي ثلاثة أشهر متوالية ورجب الفرد، أما المتوالية فهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ولا بد أن نعرف هذه الأشهر لأنك تسمع العجب ولا الصيام في رجب.

قال خطيب على المنبر ويؤسفني هذا، وهو يحمل مؤهلاً علمياً: إن رمضان من أشهر الله الحرم، فراجعه طالب علم فقال: شهر رمضان يقع بين شهرين من الأشهر الحرم، فأراد أن يصوّب فأخطأ.