للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط الحج]

قال: [فيجب بخمسة شروط: الإسلام].

هذه الشروط يسميها العلماء: شروط الحج، بعضها شروط صحة وبعضها شروط كمال، وبعضها شروط الوجوب، فالإسلام شرط صحة ووجوب، والمعنى: أنه إذا حج الكافر لا يقبل منه حجه فإنه باطل، إذاً: شرط صحة، هو أن الحج لا يقع صحيحاً إلا من مسلم، وكذلك يجب عليه الحج؛ لأنه مسلم، فالإسلام عند بعض العلماء شرط وجوب وصحة في آن واحد، إنما الراجح أنه شرط صحة.

قال: [والحرية]، شرط وجوب، لأن العبد إذا حج قبل ذلك منه، إذاً: هو شرط وجوب.

قال: [والبلوغ].

شرط وجوب؛ لأن الصبي إذا حج فإن حجه صحيح، لكن لا يجب عليه الحج؛ لأن (امرأة رفعت ابنها الصغير من على صدرها وهي تؤدي المناسك، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر)، فقوله: (نعم) يفيد أن الصبي له أجر، وحجه صحيح، لكن لا تسقط عنه حجة الإسلام، إذ أنه مطالب بالحج منذ البلوغ، فالبلوغ شرط وجوب وليس شرط صحة.

قال: [والعقل].

شرط صحة؛ فإنه المجنون فاقد العقل الذي هو مناط التكليف، ولا تكليف إلا مع العقل، فمادام أنه ليس هناك عقل فليس هناك تكليف، فإن قلم السيئات والحسنات لا يجري في حق المجنون.

قال: [والاستطاعة].

شرط وجوب، فلا يجب الحج إلا على المستطيع.

إذاً: هذه الشروط السابقة شروط وجوب، والاستطاعة هي الزاد والراحلة، فمن ملك زاداً وراحلة يبلغ بها بيت الله عز وجل فقد وجب عليه الحج، والله يقول: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧].

إذاً: يجب الحج على: المسلم، البالغ، العاقل، الحر، المستطيع.

قال: [لا نعلم في هذا كله خلافاً].

وهذا من ضبط العبارة، فإن الإمام أحمد كان دائماً يقول: لا أعلم مخالفاً، ويقول: والذي يدعي الإجماع بعد عهد الصحابة كاذب، لأن الصحابة كانوا محصورين في المدينة فيمكن أن تتبع آراء الصحابة، أما بعد انتشار الفتوحات الإسلامية وتوسع بلاد المسلمين لا يمكن أن تتبع آراء كل العلماء في الدنيا.

قال: [فأما الكافر فإنه غير مخاطب بفروع الدين -أي: الشريعة- وأما العبد فلا يجب عليه؛ لأنها عبادة تطول مدتها، وتتعلق بقطع مسافة، فتضيع حقوق السيد المتعلقة به، فلم يجب عليه كالجهاد، وأما الصبي والمجنون فغير مكلفين؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل)، وغير المستطيع لا يجب عليه؛ لقوله سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧]، فخص المستطيع بالوجوب، فيدل على نفيه عن غيره.

وهذه الشروط تنقسم ثلاثة أقسام: قسم منها ما هو شرط للوجوب والصحة، وهو الإسلام والعقل، فلا يصح الحج من كافر ولا مجنون، ومنها ما هو شرط للوجوب والإجزاء وهو البلوغ والحرية، وليس ذلك بشرط للصحة، ولو حج الصبي والعبد صح منهما الحج، ولم يجزهما عن حجة الإسلام، ومنها ما هو شرط للوجوب فقط كالاستطاعة، فلو تجشم غير المستطيع المشقة وسار بغير زاد ولا راحلة كان حجه صحيحاً مجزياً].

إذاً: هذه الشروط الخمسة، منها ما هو شرط صحة ووجوب، ومنها ما هو شرط وجوب، ومنها ما هو شرط صحة فقط.

ويضاف إلى الشروط بالنسبة للمرأة المحرم، فلو أن امرأة معها استطاعة وتملك القدرة على السفر، ولكنها لا تجد المحرم ليسافر معها، لا نلزمها بالحج؛ فيسقط عنها فريضة الحج لعدم وجود المحرم؛ لأن الحديث حجة واضحة.