للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فدية الأذى واللبس والطيب]

قال رحمه الله: [أحدهما على التخيير: وهي فدية الأذى واللبس والطيب].

ذكرنا أن محظورات الإحرام تسعة، وكل محظور من هذه المحظورات له حكم، فربما كانت له فدية، وربما لم تكن له كالنكاح، وما له فدية منها ما هو على سبيل التخيير، ومنها ما هو على الترتيب.

قال: [وهي فدية الأذى] والأذى هو أذى الرأس {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:١٩٦] الأذى يعني حلق الشعر للأذى، وليس كالمذهب شعر الصدر أو شعر القدم أو شعر اليد، إنما النص جاء بشعر الرأس، فالمذهب قاس الشعور الأخرى على شعر الرأس، وهذا كلام مرجوح.

[واللبس] أي: لبس المخيط [والطيب] أي: التطيب [فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعامه ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة].

فلو أن رجلاً تطيب وهو محرم ذاكراً غير ناس، متعمداً غير مخطئ؛ لأن الناسي له حكم، والمخطئ له حكم، فإذا كان المحرم يعرف الحكم فجاء بالطيب وتطيب، أو لبس المخيط أو كان لا يستطيع أن يخلع الجوارب من قدمه لعذر طبي، فيلبس وعليه فدية، والفدية على التخيير بين ثلاثة: إما صيام ثلاثة أيام في أي وقت، أو الإطعام، أو ذبح شاة، وإن استطاع أن يذبح وانتقل إلى الصيام فلا شيء عليه، وإن استطاع أن يصوم وأطعم فلا شيء عليه، والإطعام هنا يكون ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، والصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل المعتدل من أرز أو تمر بحسب غالب قوت أهل البلد.

قال: [ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة.

أما فدية الأذى فهي على التخيير لما سبق في محظورات الإحرام، وحديث كعب بن عجرة المتفق عليه، وأما فدية اللبس والطيب فهي مقيسة على فدية الأذى، لكونه ترفه بذلك في إحرامه، فلزمه الفدية كالمترفه بحلق شعره، ولا فرق بين قليل الطيب وكثيره، وقليل اللبس وكثيره؛ لأنه معنى حصل به الاستمتاع بالمحظور، فاعتبر مجرد الفعل كالوطء، وليس الحكم في كل دم وجب لترك واجب، يعني أن ذلك على التخيير لا على الترتيب].

فلو أن رجلاً لا يستطيع أن يخلع (الفنيلة الحمالة) لعذر في جسده، نقول له: أحرم واترك (الفنيلة) على جسدك وعليك الفدية، ويخير بين ثلاثة أشياء، لحديث كعب بن عجرة أنه كان به أذى من رأسه، فأباح له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق الرأس وأن يفدي.

ولو أن رجلاً تطيب وهو ناس فلا شيء عليه؛ لأن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام وهو ناس فلا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً أثر الطيب يبدو من إحرامه، فأمره أن يزيل عن نفسه الطيب وأن يتم النسك، ولم يأمره بفدية؛ لأنه ناس أو مخطئ غير عالم بالحكم، والخطأ معناه: أنه ظن أن هذه الزجاجة ماء وهي طيب، فوضع الماء على وجهه فإذا به طيب، فهنا لا شيء عليه {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦].

قال رحمه الله: [وكذلك الحكم في كل دم وجب لترك واجب، يعني: أن ذلك على التخيير لا على الترتيب].

هذا الكلام يحتاج إلى استدراك؛ لأن ترك الواجب لا بد ألا ينتقل إلى الصيام إلا إذا كان عاجزاً عن الذبح، أي: أن قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:١٩٦] معناه: أنه لا يخير بين الذبح والصيام إلا حينما لا يستطيع الذبح.