للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مواضع الإتيان بالهدي والفدية ولمن تكون]

قال: [وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم].

إذاً: فالهدي والفدية لمساكين الحرم، إلا المعسر الذي يذبح في مكانه سواء من حل أو حرم، إما لأنه أُحصر في عرفة، أو الحديبية، أو منى، فالمحصر يذبح في حله أو حرمه حيث أُحصر، أما الهدي فلا بد أن يذبحه في الحرم، وليس المقصود بالحرم هو المسجد الحرام وإنما حدود مكة، والفدية كذلك لا بد أن تذبح في الحرم، لكن هناك فرق بين الهدي والفدية، أولاً: الفدية لا يأكل منها، والهدي يأكل منه.

ثانياً: الهدي آخره آخر أيام التشريق بعد غروب شمس اليوم الرابع، والفدية تمتد إلى حيث استطاع، وربما ارتكبت محظوراً من محظورات الإحرام وأستطيع الذبح، وأريد أن أذبح ولكن ليس معي نقود في الحرم، فيمكنني أن أرسلها وأنا في مصر لتذبح بعد ذي الحجة ولا شيء علي.

ثالثاً: أن كلاهما يجزئ في الأضحية، وتنطبق عليها شروط الأضحية، فلا يكون الهدي ولا الفدية عوراء ولا عرجاء ولا غير ذلك؛ لأن هذا لا يجزئ في الأضاحي، ولا يجزئ من الضأن إلا ما له ستة أشهر، ومن الماعز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنوات، إنما الفرق بينهما أن الهدي يأكل منه والفدية لا يأكل منها.

كذلك لو أن رجلاً عليه كفارة يمين فعليه إطعام عشرة مساكين، ولا يأكل منها، والهدي حكمه حكم الأضحية، وكذلك النذر لا يأكل منه؛ لأن النذر ينبغي أن يكون لله تعالى، وهذا ما سنتحدث عنه في الباب الأخير من النذر والأضحية.

قال: [وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٣٣] والطعام كالهدي في اختصاصه بمساكين الحرم؛ لقول ابن عباس: الهدي والطعام بمكة، والصوم حيث شاء، ولأنه طعام يتعلق بالإحرام فأشبه لحم الهدي].

فالإطعام هو لستة مساكين من مساكين الحرم، والذبح يكون في الحرم، أما الصيام فحيث شاء.

أما الطيب فحكمه إن كان ناسياً أنه لا شيء عليه، ولكن عليه أن يزيل أثر الطيب؛ لأنه يقدر على رده، وإن كان عامداً فهو بالتخيير: إما أن يذبح شاة، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يُطعم ستة مساكين.

فإن اختار ذبح الشاة فيذبحها في الحرم، وليس لها موعد فيذبحها متى شاء؛ لأنها فدية، وليس له أن يأكل منها، وإن اختار الإطعام فيطعم ستة من مساكين الحرم، وإن اختار الصيام فيصوم حيث شاء؛ لقول ابن عباس: (الدم والطعام بمكة، والصوم حيث شاء).

قال: [ومساكين الحرم من كان فيه سواء كان من أهله أو وارداً إليه كالحاج وغيره].

ومساكين الحرم هم كل من كان في الحرم سواء كان من أهله أو وارداً عليه، وينطبق عليه ما ينطبق على مصارف الزكاة الثمانية في سورة التوبة.

قال: [وهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم].

أي: المساكين الذين يجوز دفع الزكاة إليهم.

[إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق فيه.

نص عليه] فدية الأذى وفدية الإحصار.

لماذا استثنينا أذى الرأس والإحصار؟ [لحديث كعب بن عجرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالفدية في الحديبية ولم يأمره ببعثه إلى الحرم].

كعب بن عجرة كان يشكو من تساقط القمل من رأسه، والقمل مرض جلدي يصيب جلدة الرأس فيحتاج معه إلى إزالة الشعر، وكعب بن عجرة قال: (يا رسول الله! إني أشكو من وجع في رأسي، فأمره بإماطة الشعر وأن يفدي في مكانه) هل ذبح كعب بن عجرة في الحرم أم خارج الحرم؟ خارج الحرم.

وعلى هذا يقول أحمد والدليل معه: استثنينا فدية الأذى وفدية الإحصار، أما فدية الأذى فمستثناة بحديث كعب بن عجرة، وأما فدية الإحصار فمستثناة بفعل النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [وهدي المحصر ينحره في موضعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا هداياهم بالحديبية] والحديبية خارج مكة من الحل وليست حرماً، وعلى هذا يستثنى من الذبح في الحرم الأذى والحصار.

قال: [وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان] {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:١٨] وعمر بن الخطاب هو الذي أزال هذه الشجرة من جذورها؛ لأنه رأى أن البعض ربما تبركوا بها؛ لأن تحتها تمت البيعة، فاجتزها من جذورها سداً لذريعة الشرك، وعندنا في الشرقية شجرة يرحل الناس إليها، وهناك (مضخة للماء) والتي تريد أن تحمل تشرب من مائها وتغتسل منه أسأل الله أن يزيلها، وهذا كله شرك نسأل الله العافية.

ولو أن الأمر بيد أصحاب التوحيد لهدمت هذه الأماكن التي يشرك فيها مع الله عز وجل، واندثرت هذه القباب العالية التي يُذبح عندها، ويُطلب منها المدد.

ومن اللطائف: أن رجلاً قال: إني نذرت للبدوي شاة إن شفيت ابنتي، فجاءتها حمى فماتت -إنا لله وإنا إليه راجعون- فنزل هذا الرجل يخ