للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاجتهاد في الدعاء والثناء على الله في يوم عرفة]

قال: [ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)]، فينبغي لمن وفقه الله ولمن اصطفاه الله ولمن اختاره الله أن يقف على عرفة أن يجتهد في الدعاء، ولا يقض يوم عرفة في النوم كما يفعل البعض، أو في معصية الله سبحانه كما يفعل البعض؛ لأنكم لو رأيتم ماذا يحدث في عرفة لعلمتم أن الأمة في غفلة، فالبعض يصطحب معه إلى عرفة لعبة الطاولة والضمنة! والبعض قد يصطحب معه موبقات، والبعض قد ينام في يوم عرفة ولا يستيقظ إلا بعد غروب الشمس، وغاب عنه أن هذا الوقت هو وقت مبارك وطيب، ونبيه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيه بالدعاء، وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لذا فإنه من بركة هذا اليوم المبارك أن ربنا سبحانه وتعالى يباهي بحجاج بيته الملائكة، فلا بد أن يراك ربك متضرعاً خائفاً وجلاً داعياً باكياً نادماً على فعل المعاصي السابقة.

يقول: [ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس؛ لأنه يوم ترجى فيه الإجابة، ولذلك أحببنا له الفطر ليتقوى على الدعاء]، وأما غير الحاج فله أن يصوم التسع من ذي الحجة، وغالب علماء السنة على مشروعيتها، فلا داعي أن نبدّع من صامها، ونكون بذلك قد خالفنا ابن القيم وشيخ الإسلام وابن عثيمين والنووي وابن حجر وغيرهم من حفاظ الأمة، وذلك بدون أن نبحث في المسألة، يقول الشيخ ابن عثيمين: إن الأصل فيه موجود: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)، والصيام من العمل الصالح، فلا داعي أن نبدّع الناس بذلك.

قال: [قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، فإنه ليدنو -عز وجل- ثم يباهي بكم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)].

ثم قال: [ويستحب أن يدعو بالمأثور من الأدعية مثل ما روي عن علي رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ويسر لي أمري)، وكان ابن عمر يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، اللهم اهدني بالهدى، وقني بالتقوى، واغفر لي في الآخرة والأولى، ثم يرد يده فيسكت قدر ما كان إنسان قارئاً بفاتحة الكتاب، ثم يعود فيرفع يديه ويقول مثل ذلك، ولم يزل يفعل ذلك حتى أفاض، وسئل ابن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فقيل له: هذا ثناء وليس بدعاء -أي: أنهم سألوه عن الدعاء فأجاب بالثناء- فقال: أما سمعتم قول الشاعر: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء].

أي: هل أذكر حاجتي أم الثناء عليك يكفي؟ ومن أكرم من الله عز وجل؟ فإذا أثنى العبد على ربه سبحانه فإن هذا بمثابة الدعاء.

قال: [وقوله: (إلى غروب الشمس)، معناه: أنه يجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس، ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غربت الشمس.

كذا في حديث جابر].