للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام الناس من حيث أهمية حياتهم]

أما أن يعيش الإنسان كالبهيمة يولد ويأكل ويشرب ويموت، ولا يبقى له أي أثر في هذه الدنيا، فأي فرق بين ذلك وبين البهيمة؟ بل إن بعض البهائم قد تكون أجل شأناً من ذلك، وتذكروا قول إبراهيم بن أدهم يوم أن ذكر الناس وذكر صفاتهم وأن الكثير منهم يعيشون، عيشة البلاء، ولله جل وعلا حكمة في إيجادهم، أما الذين يخلدون ويذكرون إذا فقدوا فهم قلة معدودة، حيث قال فيهم:

إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه

وموت الحاكم العدل المولى لحكم الأرض منقصة ونقمه

وموت فتى كثير الجود محل إن بقاءه خصب ونعمه

وموت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمه

وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه

فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه

وباقي الخلق همج أو رعاع وفي إيجادهم لله حكمه

نعم يا عباد الله ينبغي أن يكون الإنسان مجاهداً شجاعاً عالماً تقياً، تاجراً مصدقاً منفقاً في سبل الخيرات، عابداً يرحم الله ببركة دعائه وبركة نفعه، أما الذين يعيشون لا همَّ لهم إلا أنفسهم وشهواتهم وبطونهم ماذا قدموا لأمتهم؟ ماذا قدموا لدينهم؟ أولئك الذين صرفوا الأموال في تلك البلدان وأساءوا سمعة دولتهم، وأساءوا سمعة دينهم، ووقعوا في البلاء، وقد يختم لهم بخاتمة الشقاء عياذاً بالله من ذلك، حتى أنفسهم أقرب الأمور إليهم ماذا قدموا لها؟ أسأل أن جل وعلا أن يستعملنا في طاعته، وأن يستعملنا فيما يرضيه، وأن يجعل أقوالنا وأفعالنا خالصة لوجهه، وأن يجعل جميع أعمالنا عبادة خالصة له جل وعلا.

اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين فإنك ربنا تزع بالسلطان مالا تزع بالقرآن، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له، اللهم أبعد عنه من علمت فيه سوءاً وشراً له، اللهم اجمع شمله بإخوانه، اللهم ثبت أقدامهم ووحد كلمتهم، واجمع شملهم، ولا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً.

اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم سخر لنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، واجعل لنا في كل دين قضاء، وفي كل مرض شفاء واحتساباً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تدع لأحدنا في هذا المكان ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفتيه، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره.

معاشر الأحباب! ولو أطلنا عليكم أعود لأتذكر نقطة: إن كثيراً من الذين يسافرون إلى تلك البلدان بحمد الله جل وعلا لم يجدوا مجالاً مفتوحاً للفساد والعهر في هذه البلاد وهذه نعمة عظيمة، قد يقول قائل ويدور بذهن أحدكم الآن يقول: وهل تجهل أن هناك ما يمارس سراً وخفاء؟ نقول: إن المعصية إذا ظهرت عمت، وإذا خفيت خصت، ولا يخلو مجتمع من فساق أو من فعلة الفحشاء وغيرها، ولكن بحمد الله جل وعلا أنهم لم يجدوا متسعاً ومتنفساً في هذه البلاد، فيذهبون إلى تلك البلاد، ولكن رغم ذلك ننصحهم بالتوبة والعودة والإنابة إلى الله جل وعلا.

اللهم صل على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.