للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة فتح بيوت الله ليل نهار]

الحمد لله الذي أنزل الكتاب، وأنشأ السحاب، وخلق عباده من تراب، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

عباد الله! علمتم فضل المساجد ومكانتها في دين الإسلام، وأن المساجد اليوم لا تعرف من دورها إلا الصلاة والأذان فيها فقط، أما ذلك الدور الذي عرفه الآباء والأسلاف والأجداد، ذلك الدور الذي أنشأ القادة، ذلك الدور الذي أعد الرجال والأجيال، ذلك الدور الذي رفع الحماس في قلوب المصلين، وسيرهم بالجهاد مستبسلين يبتغون الشهادة، ذلك الدور الذي خرج العلماء وطلبة العلم، ذلك الدور الذي جعل المسجد قنديلاً، وجعل المسجد مشكاة يستنير بها من حولها، فهو مفقود في هذا الزمان، وما هو إلا أن الناس لم يعرفوا من دور المسجد إلا أن يأتوا ليصلوا فيها، أو يحضروا قليلاً، فإذا أقيمت الصلاة صلوا فيها، ثم خرجوا منها.

إن المساجد -يا عباد الله- ينبغي أن تكون مفتوحة ليل نهار، وإن كان هناك ما يخشى من سرقته أو يخشى من فقده أو العبث به، فإن الدولة مشكورة وفقها الله قد هيأت خدماً وحراساً للمساجد، وهيأت مساكن فيها، فهم الذين يعتنون بها.

إن المساجد لا بد أن تكون مشعلاً حياً في الأمم والمجتمعات، ولا بد أن تعود حلقات العلم فيها، ولا بد من السعي لإيجاد حلقات تدريس القرآن الكريم للصغار والكبار فيها، فإن ذلك من أهم الأمور التي تحفظ أبناء المجتمع، أرأيتم لو أن كل مسجد فيه حلقة للكبار والصغار لتعليم كتاب الله، وأن المسجد يبقى مفتوحاً مع عناية وحراسة والتزام وتنبه لما فيه، أتظنون أن غريباً لا يجد من يؤويه سيجد مشكلة أن يتوضأ ويصلي ركعتين فيجلس في بيت من بيوت الله؟ ولا أعني بذلك أن يتخذ المسجد سكناً أو أن يتخذ مكان إقامة، وإنما هو يجد بيتاً من بيوت الله جل وعلا، ليجد فيها أمناً وراحةً واطمئناناً، حتى يدبر شأنه، وييسر سبيله، وينجح قصده، أما الذين يتخذون المساجد مكاناً للنوم، أو يتخذونها مكاناً لقضاء الوقت والفراغ فيها، فإن أولئك في الغالب لا يعمرونها بذكر الله أو الطاعة والعبادة.

لذا يا عباد الله! ينبغي لمن كان مسئولاً في مسجد من المساجد أو إماماً أو له كلمة في مسجد قد بناه أو قام بشأنه، ينبغي أن يحرص على ذلك، وأن ينشئ فيه حلقة من حلقات القرآن الكريم لتدريس الناس وتعليمهم، وإن من أهم الأمور التي ينبغي أن توجد في المساجد إيجاد مجموعة من الكتب فيها، أو إنشاء مكتبة في زاوية من زوايا المسجد أو في ناحية من نواحيها، فبفضل الله جل وعلا، ثم بهذه المكتبة يأوي شباب الحي وأطفالهم فيجدون متسعاً نظيفاً لقضاء الوقت، ويجدون مكاناً مهيئاً يقضون أوقاتهم فيه إما بتلاوة أو بذكر أو بعبادة، أو بقراءة واطلاع، أو بنقاش.

ومما ينبغي أن يعاد إلى المساجد وذلك بتبرع أهل الخير فيها تبرعاً مالياً أو تبرعاً جهدياً، لتدريس أبناء المجتمع شيئاً من المواد قرب مواسم الامتحانات، فجزى الله من بادر وتبرع بجهده لتعليم أبناء الحي شيئاً من المواد التي سيختبرون، وسيجد فضله وثوابه عند الله جل وعلا.

كذلك الدروس الأسبوعية أو الشهرية أو المحاضرات، وتعويد الصغار على الجرأة في المساجد بإلقاء الكلمات، وبالوقوف أمام الناس، على الجرأة بالسؤال والجواب، في سبيل تحصيل العلم، فإن المساجد حينما تقوم بهذه الأدوار عن طريق المهتمين بها وعن طريق جماعات المساجد فيها، فإنهم بذلك يعيدون دوراً حياً ومكانة للمسجد في كل مكان.

أسأل الله جل وعلا أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يبطل كيد الزنادقة والملحدين.

عباد الله! إنها لمن أعظم النعم بفضل الله ومنته أن إذا حان دخول وقت صلاة من الصلوات ضجت هذه البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، ارتفعت أصوات التكبير من المآذن خفاقة عالية بتكبير الله جل وعلا، وحث المصلين وندائهم إلى حضور المساجد، وهذا أمر يندر في كثير من الدول، فالحمد لله على هذه النعمة، نسأل الله أن يجعله صوتاً خفاقاً، وذكراً عاطراً باقياً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بعزة الله جل وعلا للإسلام والمسلمين، وولاة أمورنا خاصة، وولاة أمور المسلمين عامة.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله بإخوانه، اللهم لا تفرح عليهم عدواً ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم ما علمت في أحد خيراً له فقربه منه، وما علمت في أحد شراً له ولأمته فأبعده عنه برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى الجنة مصيرنا ومآلنا، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا أيماً إلا زوجته برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا إله إلا الله سبحانك إنا كنا من الظالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا خلق من خلقك، وعبيد من عبيدك، فلا تحرمنا بذنوبنا فضلك، اللهم إن كثرت معاصينا فإن فضلك أعظم، وإن كبرت ذنوبنا فإن فضلك أكبر برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لنا ولموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واجعل ختامنا وميتتنا وفراقنا من هذه الدنيا على الشهادتين ما ظلمنا وما بدلنا وما غيرنا، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وافسح اللهم لهم قبورهم مد أبصارهم برحمتك يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم وفيهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه التي لا تستطيعون حصرها ولا تقدرون شكرها يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.