للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظاهرة السفر إلى الخارج]

الحمد لله الواحد بلا شريك، والعليم بلا ظهير، والعزيز بلا نصير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، هو الذي أنشأنا من العدم وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خير سألناه أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن وجوهكم وجسومكم على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار.

معاشر المؤمنين: هناك ظاهرة سيئة وقع بعض الشباب -هداهم الله- فيها، ومن المؤسف أن جملة ممن وقعوا فيها لا يزالون صغاراً، ألا وهي سفر بعضهم أو اصطحاب بعضهم بعضاً إلى السفر إلى الخارج، إذ أن الإنسان لا يقف أمامه ما يردعه، فجواز السفر ميسرٌ بالنسبة له، وبعد ذلك قد يذهب بدون إذن والده أو عاصياً امتناع والده عن سفره، ومن ثم يذهب إلى تلك الدول الغربية الكافرة، التي تعرض فيها المنكرات والفواحش في الأسواق عرضاً، ثم بعد ذلك لا يملك أمام شيطانه وضعف نفسه الأمارة بالسوء، لا يملك أمام ذلك إلا أن ينساق وراء هذه الشهوات والمغريات، فيعود عياذاً بالله! شارباً للخمر، أو زانياً، أو واقعاً في كثير من الممارسات الجنسية الشاذة، وإن بعض الشباب قد وقعوا في ذلك -هداهم الله- ومنهم من أخبرني أنه سافر مع صديق له لا يزالون صغاراً، لكن الشيطان أغوى بعضهم أو أغواهم، ومن ثم وقعوا في جريمة كبيرة، وبعد ذلك عاد تائباً يقول: إن الله يقبل التوبة، ولكن ما الذي حدا بك للسفر إلى بلاد لا حاجة لك فيها، لا تطلب فيها علماً معدوماً في بلاد المسلمين، وليس لك فيها تجارةٌ لابد من حضورك فيها، وليس لك من أمرها قليلٌ أو كثير.

إننا بحمد الله يوم أن ننصح الشباب ألا يتوجهوا في السفر إلى الخارج، وأن يقضوا إجازاتهم في مصايف بلادهم، وفي أرضهم، وفي ربوع مملكتهم ننصحهم بهذا؛ لأننا نعلم ولله الحمد أنهم في هذه البلاد على ارتباط وثيقٍ بعبادة الله، فهم يسمعون المآذن تعج بالتكبير في كل يوم خمس مرات، أينما ذهبوا في أي جهةٍ من جهات هذه المملكة شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً، وذلك مما يشدهم ويصدهم عن الوقوع في الفواحش، ومن العصمة ألا يقدروا إذ أننا ولله الحمد والمنة لا نرى مظاهر الفساد، أو الزنا، أو الخمور، علنيةً ظاهرة؛ فذلك من فضل الله، والكثير يعجز عن نوالها والحصول عليها، ومن العصمة ألا يقدر الإنسان.

أيها الإخوة: إننا ننصحكم أن تنتبهوا لأوقاتكم، وألا تفكروا في السفر إلى بلاد لا حاجةً لكم فيها، وإني لأنصح الآباء أن ينتبهوا لأبنائهم، وأن يتأكدوا تمام التأكد من أحوالهم، وأن يكونوا على صلةٍ وثيقة تحصل الهيمنة والسيطرة من الأب على ولده، لا أن يخرج الشاب ثم يسافر إلى أي جهة شاء، وبعد ذلك يعود فاجراً، أو زانياً، أو سكيراً، أو مجرماً من المجرمين، فإذا عاد الواحد منهم، وقد تكون أول مرة يقع فيها في الفواحش يعود الشيطان إليه يقول: ماذا بعدما زنيت، اترك الصلاة، زنيت دع عنك هذا الأمر، شربت الخمر دع عنك هذه الصحبة، ثم بعد ذلك يهون عليه ارتكاب الجرائم والفواحش والمعاصي مذكراً له بفاحشة كبيرة تهون عليه ارتكاب ما دونها، وإني لأنصح الشباب أن يهتموا بهذا الأمر اهتماماً عظيماً، وألا ينساقوا وراء المغريات التي تنتشر في كثير من المجلات، عبر الدعوة إلى شركات السياحة والمتعة في بلدان الخارج، إذ أن حقيقتها سم زعاف وتدمير للأخلاق، وإفساد للهمم والكرامات، فيما يسمونه بالرحلات السياحية التي تنظمها شركة من الشركات، فتدور على جملة من بلدان العالم، من هو الذي يحفظهم في هذا السفر؟ من هو الذي يوجههم؟ هل معهم من أهل العلم من ينتبه لهم؟ هل معهم من المربين والأساتذة المثقفين من ينتبه لأحوالهم؟ رحلات سياحية في أي جهة كانت، هدفها الأول ابتزاز الأموال ومحصلة آخرها فساد للشباب في أخلاقهم وفي أنفسهم، وصرف لهم عن طاعة رب العالمين.

وإن من المداخل الخبيثة السيئة على كثير من الشباب ما يسمونه بفكرة دراسة اللغة الإنجليزية، فترى الواحد منهم يسافر وحيداً أو يدفعه والده إلى السفر بحجة تعلم اللغة الإنجليزية وبعد ذلك يقول: إذا سافرت إلى هناك لا بد لك أن تسكن مع أسرة تخالطها وتحادثها، وتتكلم معها؛ لأن ذلك يعينك على الاستفادة من اللغة وتحصيل المخاطبة بها، وقد نسي ذلك الشاب أو نسي والده أنه يقع في فخٍ وكمينٍ قد أعد له من زمن طويل، أو أعد لفلذة كبده، فالتفتوا لهذا يا عباد الله! وإن سبل تحصيل هذه اللغة متيسر في هذه البلاد ولله الحمد والمنة لمن كان محتاجاً لها.