للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حدوث الآيات الكونية دلالة على وقوع المعاصي]

معاشر العباد! يوم أن ترون آية من آيات الله قلبوا النظر في أموركم وأحوالكم، من منكم لا يصلي، من منكم لا يحضر الصلاة مع الجماعة، من منكم من يتهاون بصلاة الفجر وهو مصرٌ على تركها مع الجماعة، من منكم يتعامل بالربا، من الذي يقع في الغيبة والنميمة، من الذي يفعل من الأمور ما لا يرضاه الله جل وعلا، إن ذلك لتنبيه لطيف إن ذلك لبيان وتعريف للعباد، أن الله جل وعلا يخوفهم بآيةٍ يسيرة تستمر ساعات معلومة، حتى يلتفتوا، ولو شاء الله جل وعلا لأنزل عليهم العذاب جملةً واحدة، هل الله بحاجة إلينا؟ حاشا وكلا، إن الله لم يخلقنا ليستكثر بنا من قلة، أو ليستعز بنا من ضعف، أو ليستظهر بنا من قلة علم، ولكن خلقنا لعبادته، فأين نحن والعبادة في هذا الزمان، إن الله جل وعلا قادرٌ أن ينزل الآية الشديدة الكونية مرةً واحدة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يوم أن عصت الأمم السالفة أنزل عليها العذاب، يقول جل وعلا: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:٣٨ - ٣٩].

ماذا فعل الله به؟ {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات:٤٠] ويقول جل وعلا في شأن عاد: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ * وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ} [الذاريات:٤١ - ٤٥].

لو أراد الله أن يُحدث آية من آياته جل وعلا بنا، وهو أرحم بنا من أن يعذبنا، وهو أرحم بنا من أمهاتنا وآبائنا أيرده من ذلك شيء؟! لأننا مهما عبدناه لا يزيد ذلك في ملكه، وإنما نحن بحاجةٍ إلى عبادته، ولو عصيناه ما ضره ذلك شيء، يقول جل وعلا في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيدٍ واحد، فسألوني وأعطيت كل سائلٍ مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ منكم، ما زادني ذلك شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما نقص ذلك وما ضرني ذلك شيئاً) فالله جل وعلا غني عن العباد والله جل وعلا أيضا رءوف بالعباد.

وينبههم بأيسر الآيات وأهونها حتى إذا اعتبروا بهذه الآيات اليسيرة رفع الله عنهم العذاب، ورأى منهم التضرع والخضوع والانكسار بين يديه، ثم بعد ذلك ينزل عليهم رحمته.

أما إذا رأى منهم غفلةً مع الغافلين، ولهواً مع اللاهين، فإن الله جل وعلا لا يضره أن ينزل بهم بأسه، وجنود الله لا حد لها، يقول جل وعلا: {وما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:٣١] لو شاء الله جل وعلا لسلط على العباد أهون شيءٍ بين أيديهم، إن الذي سلط الجراد والضفادع والطوفان والقمل والدم آيات مفصلاتٍ على أمم من الأمم؛ لقادرٌ أن يُسلطها علينا في هذا الزمان.

من يرد عنا بأس الله إن أراد بنا سواءً؟! فنسأله جل وعلا ألا يعذبنا بذنوبنا، إنه أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك نستغفرك ونتوب إليك، ونبوء بذنوبنا بين يديك، ونبوء بنعمتك علينا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ربنا لا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا لا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، نحن الضعفاء وأنت القوي، ونحن الفقراء وأنت الغني، ونحن الأذلاء بين يديك وأنت العزيز.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.