للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفضيل الله لأهل الجزيرة بالنعم]

الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، وخالق الخلق من تراب، منزل الكتاب، رب الأرباب، لا إله إلا هو وحده لا شريك له عليه توكلنا وإليه مئاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه ومن اقتفى أثره واتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار.

عباد الله! كونوا على يقظةٍ في قلوبكم، كونوا على حذرٍ من أموركم، كونوا على بصيرةٍ مما ترون في ليلكم ونهاركم، إن البهائم والسوائم هي التي تأكل وتشرب وتُخرج غير ذلك ولا تلتفت لصباح أو مساء، تعلف وتنتظر جزارها.

أما أنتم معاشر العباد! فلقد خلقتم لحكمةٍ جليلة، ولغايةٍ فضيلة، خلقكم الله جل وعلا لعبادته ومن أجل ذلك سخر لكم ما لم يسخره لغيركم، وكرمكم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء:٧٠] وفضلكم على كثيرٍ من الأمم تفضيلا، وفضلكم على كثيرٍ من سائر مخلوقاته، وأنتم يا أمة هذه البلاد: قد فضلكم الله جل وعلا على كثيرٍ من الأمم تفضيلاً فوق غيركم.

فاحمدوا الله جل وعلا على نعمه عليكم، واعلموا أن الله جل وعلا لا فضل ولا قيمة لنسب أحدٍ عنده: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي ولا أسود على أبيض ولا أبيض على أحمر إلا بالتقوى) {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] ليست بمزية لكم من سائر الأمم، ولستم مفضلين على سائر الأمم.

إن المفضل عند الله من كان أتقى له، إنما المفضل عند الله والمقرب إلى جنابه والذي يفوز برحمته وثوابه هو من كان أتقى له وأخشى له، وأعبد وأكثر خضوعاً وانكساراً بين يديه جل وعلا، اعتبروا بالآيات الصغيرة قبل أن تأتي الآيات العظمى، اعتبروا بالآيات اليسيرة، وما هناك شيءٌ من آيات الله صغيرٌ أو يسير، إن جميع آيات الله عظيمة ولكنها تختلف في مراتبها، فاعتبروا بما هو أدنى تنبيهاً على ما هو أعلى، واتعظوا واعتبروا يا أولي الأبصار.

أسأل الله جل وعلا ألا يجعلنا وإياكم من الغافلين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته.

اللهم احفظ ولاة أمورنا، ولا تُفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم أدم عزك ونصرك لهم، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته برحمتك يا أرحم الراحمين: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.