للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أضرار التسرع في الطلاق]

الحمد لله وحده لا شريك له، الحمد لله وحده لا شريك له حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، جل عن الشبيه وعن الند، وعن المثيل وعن النظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، لا إله إلا هو وحده لا شريك له وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

معاشر المؤمنين! إن بعض المسلمين قد يقع منه الطلاق في نهاية مدة حملٍ، فإذا وضعت زوجته حملها وقع طلاقه بائناً لا يمكن له الرجعة إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين، ولو كانت طلقةً واحدة، وهو في هذا قد أغلق على نفسه باب الرجعة في هذا الأمر، فإنه لا ينبغي لأحدٍ خاصة إذا كان يعلم أنه متردد أو متذبذبٌ في أمره هذا، خاصةً إذا كان الأمر في قرب وضع ولادة، ينبغي له ألا يستعجل في هذا الأمر، فإن طلقها حاملاً فليبادر بالرجعة قبل وضعها، حتى تعود إلى عصمته، لأنها إذا أنجبت فإنها بعد ذلك لا تعود له إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين، كما قلنا ذلك.

إذاً فينبغي للإنسان ألا يستعجل في هذا الأمر، خاصةً قرب مراحل الوضع الأخيرة، لأن هذا دليلٌ على قلة الفقه والعلم في الشريعة، وكما قلنا فإن ضلال كثيرٍ من الناس إنما يكون بالسرعة والتهور وعدم الاستخارة والاستشارة، فينبغي أن ننتبه لهذا الأمر انتباهاً جيداً، وكذلك فإن بعض المسلمين بعد أن يطلق ثم يعود إلى بيته حسيراً كسيراً؛ يعرف فضل زوجته بعد أن تخرج من بيته، تتراكم عليه آنية الأطعمة، ويرى ثيابه متسخة، ويرى بيتاً ليس بنظيفٍ ولا مرتب، عند ذلك يعرف فضل هذه الزوجة، وقد يكون أخرجها لسببٍ تافهٍ صغيرٍ من الأسباب التافهة، أو لأمرٍ حقيرٍ من الأمور، فعند ذلك يعرف فضلها وقدرها، فإذا كان قد طلقها طلاقاً يجوز له الرجعة فيه، كأن يكون طلقها طلقةً واحدة أو طلقتين، ثم يعود بعد ذلك إلى وليها أو والدها، فيقول: إني أريد العودة إلى زوجتي، وإني أستغفر الله عما وقع مني، وإني نادمٌ على ما فعلت إلى غير ذلك، إن بعض الأولياء، إن بعض الآباء يقفون حجر عثرةٍ أمام هذه الرجعة، وهذا لا يجوز لهم، لأن الله جل وعلا يقول: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٣٢].

فإذا رضيت المرأة أن تعود إلى زوجها، وإذا رأيت الزوج راغباً في العودة إليها، فلا عليك إلا أن تكون عوناً على بناء صرح هذه الأسرة من جديد، وينبغي لك أن تكون معطاء، وينبغي أن تكون يداً بانيةً، لا يداً تعين على الفراق والطلاق، فعند ذلك عليك أن تقنع ابنتك أو من هي في ولايتك، بالعودة إلى زوجها، فإذا رضيت فلا تعضلها أن تنكح زوجها ما دامت قد تراضت بينها وبين زوجها بالمعروف {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [الطلاق:٢].

فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجوز له أن يقف حجر عثرةٍ أمام هذه الرجعة المبنية على الندم والرضا والرغبة في بناء صرح الأسرة من جديد: {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٣٢].