للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحلة الحصول على الولد]

أما عن كلمتنا هذه الليلة وهي بعنوان: أبناؤنا أمانةٌ في أعناقنا.

أحبتي في الله: لو سألنا واحداً منكم أو سألنا واحدة من الأخوات: صف لنا رحلة الوصول إلى الولد، بيّن لنا كيف بلغت هذه الحال التي أصبحت فيها أباً أو أصبحتِ فيها أماً؟ لقالت بكل لسانٍ فصيح: لقد كانت مرحلة طويلة، ولقال مثل ذلك هو أيضاً، همٌّ في جمع المال لإيجاد المهر، ثم بحثٌ وعناءٌ طويل في البحث عن الزوجة المناسبة، ثم زياراتٌ ومقابلاتٌ واستخارة وما تبع ذلك، ثم مناسبة دعي إليها الأحباب والأقارب، ثم تم الزواج وحصل الزفاف، ثم بدأ همٌّ آخر وقد تكونت الأسرة بمسئولياتها وتبعاتها: (وكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) ثم ما هي إلا أشهر حتى حملت المرأة، وحمل الرجل هماً في النفقة والرعاية والعناية والمتابعة أشهراً طويلة، حتى إذا دنا المخاض وقرب الميلاد، تتابعت الزيارات إلى المستشفيات والفحوصات والكشف وغير ذلك، ثم بشر أحدنا بالمولود، ذكراً كان أو أنثى ولم تنته الرحلة عند هذه، بل فرحنا لحظاتٍ والفرح مستمرٌ بنعم الله علينا وعليهم في عافية وأمنٍ وطمأنينة، ولكن ما زلنا نحمل هماً في علاجهم في دوائهم في لباسهم في تعليمهم في السهر معهم في مداعبتهم في ملاعبتهم في احتضانهم وإشعارهم بالحنان ودفء العواطف، مسئوليات كثيرة ومتتابعة، وما زلنا كذلك ننفق ونعطي ونعالج ونسهر، كم ليلة حرمنا لذيذ النوم! وكم ليلة خرجنا من البيت في ليلة شاتية! وكم ليلة سهرناها وقبلها تعبٌ طويل وبعدها عملٌ شاق! وكم وكم إلى غير ذلك، حتى إذا بلغ الولد أو البنت الذي تعبنا تعباً طويلاً للحصول عليه ابتداءً بفكرة الخطوبة وانتهاءً بهذه المرحلة التي أصبح الوليد فيها مكتملاً في نموه وعقله واستجابته، أخذ يعي ويفهم ويخاطب ويستمع ويستجيب، وينادى فيأتمر حتى إذا بلغ الولد هذه المرحلة قال بعضنا: هذا الولد قد انتهينا منه ثم رموه في زبالة الأفلام والمسلسلات، وفي أحضان السائقين والخادمات، وفي مخالطة السوقة والفسقة ممن ليسوا بأهلٍ ولا كفءٍ أن يدخلوا بيوتنا فضلاً عن أن يكونوا أصحاباً لأولادنا وبناتنا، هذا هو الواقع اليوم.

كثيرٌ من الناس كالذي يستدين من فلان وعلان، ويكدح الليل والنهار، ويجمع أجرة اليوم على الأسبوع، وأجرة الشهر على الشهر حتى إذا جمع مالاً اشترى أرضاً، ثم أخذ يكدح ويتعب ليبني بيتاً حتى إذا بناه أخذ يتعب من أجل أن يكسوه داخلاً وخارجاً ثم يؤثثه، حتى إذا اكتمل البيت وأصبح جنة صغيرة فتح الأبواب للكلاب والذئاب وقال لهم: ادخلوا وارتعوا والعبوا واعبثوا كيفما شئتم بهذا البيت الذي تعبنا عليه، هذا واقع كثير من الآباء والأمهات اليوم، يتعبون على الأولاد حملاً وولادة، وتربية وعلاجاً ولباساً، ودواءً وغذاءً حتى إذا اكتمل الولد رموه كما يرمون الزبالة عند الأبواب، وهذا واقع ومشاهد، ومن تأمل يجد أن ذلك أمراً لا مرية فيه ويا للأسف!