للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآباء هم السبب الأول في انحراف الأبناء]

ٍأحبتي في الله: إن هؤلاء الأولاد الذين تعبنا تعباً طويلاً شاقاً بالغاً في الحصول عليهم ما سقط من سقط منهم، وما ضل من ضل منهم، وما انحرف من انحرف منهم بغتة أو فجأة أو بين عشية وضحاها، لا تصدق أن رجلاً قال: بات ولدي ليلة صالحاً فأصبح فاجراً، لا تصدق من قال: أصبح ولدي مؤمناً فأمسى كافرا، لا تصدق من قال: غدا ولدي براً فراح مجرماً!! لا.

إنما المسألة لها خطراتٌ وخطواتٌ وكما قال الأول:

وللمنية أسبابٌ من السقم

قد يكون السبب الأول فيما تكرهه وفيما أقض مضجعك وعذب ضميرك، وآذاك في نفسك، ونكد عليك عيشك، وجعلك تتجرع الغصص في حلقك ربما كان السبب في انحراف ولدك هو أنت أنت من حيث لا تشعر.

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ

أخي الحبيب: أنت الولي وأنت الأب والمؤدب والراعي ربما كنت سبباً في ضياع أولادك، وربما دمرت هذه الأسرة بمن فيها من البنين والبنات، ربما كنت السبب بل المتهم الرئيس في إذكاء شعار الفتنة والمتاهة والشقاء في أولادك وبناتك، والبعض يقول: لا.

لا تحملني المسئولية وحدي، أليس على الولد كفلٌ من هذه الملامة؟ أليس للولد حظٌ من هذه الأسباب؟

الجواب

نعم.

ولكن أخي الحبيب! إن الولد حينما يقول: هذا جناه أبي علي، وما جنيت على أحد إذا كان والده من المضيعين له الذين لم يحسنوا تربيته ولم يلتفتوا له أبداً.

نعم.

كثيرٌ من الآباء والأمهات ما قصروا، ألبسوه ناعم الحلل، وأسكنوه أوسع الفلل، وعطروه وزينوه وعالجوه، ما تركوا موضع إبرة في بدنه إلا ونعموها بطعامٍ وشراب، ولباسٍ ودواء، ولكنهم تركوا أكبر شيءٍ في بدنه وهو فؤاده وقلبه وعقله، جسمه المحدود اعتنوا به، أما عقله وقلبه الذي يتسع لأضربٍ من الشر كثيرة، أو أصنافٍ من الخير كبيرة عظيمة أهملوه، ما تركوا جانباً إلا وقدموا له وافر الغذاء فيه، أما غذاء روحه وغذاء عقله وفكره، فأهملوه غاية الإهمال، وحينئذٍ حينما يتخلى الأب وتتهاون الأم في ذلك الأمر سهل للأعداء من شيطان الجن وشياطين الإنس إفساد الأبناء وسلخهم من الحجاب والحياء، وإماتة العفاف والآداب في أنفسهم، أوليس إذا تخلى الولي عن الولاية والأمانة التي تعلقت برقبته؛ ضاعت الأمور من بين يديه؟! إذاً أنت أنت أيها الأب! أنت المسئول قبل كل شيء؛ لأنك أسلمت الولد والبنت لقمة سائغة للذئاب البشرية، لأنك تواريت وابتعدت وتزاورت ذات اليمين وذات الشمال عن دفة القيادة ومسئولية التوجيه والرياسة، فسمحت لأسراب الخفافيش أن تغزو منزلك في جنح الليل المظلم، ورضيت بالمنكرات والمعاصي أن تتصدر مساحاتٍ كبيرةً من بيتك وتستحوذ عليها، أنت بهذا شعرت أم لم تشعر أفسدت ولدك، وكنت عوناً لشياطين الإنس والجن في تحقيق مآربهم من هنا وهناك، ولذا أيها الأحبة! كان لزاماً علينا أن نتأمل هذه المسئولية العظيمة، وإن القليل القليل من التوجيه والرعاية يحفظ الأولاد بإذن الله، ويغني عن الكثير الكثير من الآداب والوعيد والتهديد والملاحقة في الكبر، فما دام الأمر سهلاً يسيراً، والأولاد لا زال الواحد منهم غضاً طرياً كأغصانٍ غضة لينةٍ كيفما عدلتها اعتدلت، فإن ذلك أسهل بكثير من أن تهمله حتى إذا بلغ الولد سبعة عشر عاماً، أو ستة عشر عاماً أو أقل أو أكثر، أخذت تهدده بالعصا، والحرمان والطرد والإبعاد، والجلد والإهانة، والتوبيخ والعبارات الجارحة التي لا تزيده لك إلا بغضا ولا منك إلا فرارا.