للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاعتناء بالأبناء في الصغر له ثمرة في الكبر]

أخي الحبيب: إننا حينما نعتني بتربية الأولاد منذ بداية نشأتهم -كما قلت- ندخر جهداً ومالاً ووقتاً كثيراً في التوجيه حال بلوغهم سن المراهقة، الأمر الآخر أننا بأمس الحاجة أن نقطف ثمراتٍ نحن غرسنا بذورها بأيدينا، نحن في أمس الحاجة أن يستمر عملنا الصالح بعد موتنا، أوليس الواحد منا يحز في نفسه وفي فؤاده أنه إذا مات انقطع عمله، فما عاد كما كان في الدنيا يصلي صلاةً ويستغفر ويذكر ويتصدق، ويجاهد ويدعو ويعمل ويعين ويغيث ويناصح، انقطعت الأعمال، إلا إذا كنت ممن اعتنوا بتربية أولادهم منذ نشأتهم فإنك من الذين لا تنقطع أعمالهم بعد موتهم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالحٌ يدعو له، وعلمٍ ينتفع به، وصدقة جارية) فأنت إذا ربيت أولادك تربية حسنة ثق أن الحسنات لا تزال تجري عليك، ولا تزال يوماً بعد يوم في نعيم، وفي سعادة وفي أنس، وفي رفعة درجات، بل تلقى الله يوم القيامة بخيرٍ ما خطر على بالك، وتقول: يا رب! أنا من أين جيء لي بهذا الخير؟ فيقال: بصلاح ولدك من بعدك، لكن إن كنت ممن يهمهم أمر العمل الصالح كما كان السلف رضوان الله عليهم والصحابة، فـ معاذ رضي الله عنه لما حضرته الوفاة بكى فقيل: [ما يبكيك يا صاحب رسول الله؟ قال: والله ما أبكي على فراق دنياكم هذه، لكنني أبكي على فراق قيام ليالي الشتاء وصيام أيام الهواجر، ومجالسة أقوامٍ ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر آكله] يبكي مع أنه من جبال العمل الصالح، لا يبكي على الموت وفراق ملذات الدنيا، بل يبكي على العمل الصالح أنه سينقطع مع أنهم خلدوا حسناتٍ وصدقاتٍ جارية ماضية، رضوان الله عليهم وجمعنا بهم في الجنة.

فأنتم -يا أحبابي- الواحد منكم عمره أربعون سنة: (أعمار أمتي بين الستين والسبعين وقليلٌ من يجاوز) عمرك خمسون، بقي عشر سنوات، عمرك ستين استعد: (قد أعذر الله لامرئ بلغه الستين من عمره) عمرك أربعون إذاً فقد بلغت أشدك: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [الأحقاف:١٥] فأياً كان عمرك فاستعد للرحيل.

ومما يحز في خاطرنا جميعاً أن الواحد إذا تفكر في الرحيل تقطع قلبه ويقول: أنا الآن في المقبرة، تخيل نفسك الآن وأنت في المقبرة، من يصلي عنك؟ من يتصدق عنك؟ من يصوم عنك؟ من يعمل صالحاً عنك؟ كما كان أحد السلف يفعل يقول: إذا قسا قلبي وضعفت نفسي عن الطاعة ذهبت إلى المقابر فجلست في اللحد وقلت: يا فلان! هأنت الآن في دار البرزخ فمن يصلي عنك من يصوم من يتصدق عنك من يجاهد عنك من يعمل صالحاً عنك؟ قال: ثم أقول: لا إن لي فرصة في الدنيا فأخرج وأبادر نفسي في العمل الصالح، لكن إذا مات الإنسان وانقطع عمله فالولد من أعظم الصدقات الجارية والحسنات التي تمضي ولا تنقطع بإذن الله عز وجل لمن اعتنى بتنشئة ولده وتربيته، أسأل الله أن يعيننا وإياكم على تربيتهم، وأن يقر أعيننا وإياكم بصلاح ذرياتنا.