للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر التناقض في شخصية الأب أمام الابن]

وختاماً: إن كثيراً من الآباء يأمرون وينهون لكنهم لا يجدون استجابة، والسبب: أنهم يكسرون ما بنوا أمام أعين أولادهم، ويهتكون أستاراً نصبوها أمام أعين أولادهم، ويتناقضون أمام أعين أولادهم، ويعلمون أولادهم النفاق، كيف؟ تجده ينهى عن شيءٍ فيرتكبه، ويأمر بواجبٍ فلا يفعله، حربائيٌ متقلب؛ في بيته له صورة، وأمام الناس له صورة أخرى، فتنطبع هذه الصفات وهذه السلوكيات من الأب إلى الابن فيصبح الابن حربائياً أمام أبيه دين، ووراء أبيه فاجر، لأن أباه طبق نفس العملية، والولد اكتشف مسألة ليست سهلة، لا تتصور أن الولد سهل تفوت عليه التناقضات، هو يرى الصور الصحيحة ويخزنها، فإذا استمرت الصور الصحيحة لا يرى إلا الصحيح والذي ينبغي أن يكون، لكن إذا وجد صورة صحيحة وتناقضها صورة سيئة، وصورة حميدة وتناقضها صورة خسيسة، يقول: إذاً ممكن الإنسان في الحياة أن يجمع بين الصدق والكذب بين الأمانة والخيانة والخسة بين الخير والشر بين البر والفجور بين الصلاح والفساد، ويمكن أن يتعايش تعاشياً سلمياً في شخصيته، ويستمر في هذا الانفصام النكد ولا حول ولا قوة إلا بالله! الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:٢ - ٣] ازدواجية التربية (تناقض القول والفعل) أمرٌ غريبٌ جداً! في سنن أبي داود وسنن البيهقي عن عبد الله بن عامر قال: (دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في بيتنا فقالت: تعال أعطيك، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمرة، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة) فكم أعطينا أبناءنا من كذب بحجم لا يخطر على بال، بل كثيرٌ من الناس يقول: انظر هذا الصغير عجيب هذا حجمه ويكذب هذه الكذبة الكبيرة! ما تعلمها إلا من أبيه الداهية مصنع الكذب، هو فقط صدر وحدة من المنتجات، لكن المصنع كان من عند الوالد أو الوالدة، فينبغي أن نلتفت لمثل هذه القضايا.

إياك أن يكتشف أولادك أو أن يروا منك تناقضاً في كلامك وسلوكك وأفعالك وتصرفاتك، وإذا حصل ذات يوم أن رأوا تناقضاً؛ فيلزم عليك أن تعلمهم بأن هذا خطأ، أنا وقعت في هذا الخطأ من حيث لا أشعر، المهم انتبه أن يستقر في أذهانهم أن هذا أمر طبيعي يمكن أن يكون له وجهان وشخصيتان وأمران وحالان ووضعان إلى غير ذلك، وعند الإمام أحمد وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله عنه: (من قال لصبيٍ: تعال هاك؛ ثم لم يعطه فهي كذبة).

إذاً أيها الأحبة! لا بد أن يشعر الوالد وتشعر الأم أنهم الأنموذج الأمثل للقدوة، وأنه يتأسون ويقتدى بهم، وأن الأولاد ينقلون عنهم كل شيء: (كل مولودٌ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) إن كان الأب يهودياً هود أولاده، وإن كان الأبوان نصرانيين نصرا أولادهما بالوراثة بالانتقال بالسلوك بالفكرة بالتعايش، إن كانوا يهوداً نقلوا بمثل ذلك، فالتأثير واضح: يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، والولد -كما قيل- سر أبيه.

لعلنا نكتفي بهذا أيها الأحبة! أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.