للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر المعصية]

الحمد لله الواحد بلا شريك، العليم بلا ظهير، القوي بلا نصير، خلق الخلق لعبادته، وما خلقهم ليستكثر بهم من قلة، أو ليستظهر بهم من قلة علم، أو ليستعز بهم من ضعف، سبحانه وتعالى عن ذلك! فهو القوي وحده لا شريك له.

الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، المؤمَّل لكشف كل كرب شديد، والمرجو للإحسان والفضل والمزيد؛ نحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، لا نحصي ثناءً عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتوبوا إليه، واعلموا أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا شك في ضررها على العباد والبلاد، وإن مما يعين العباد على تجنبها أن يعلموا أن عواقب الذنوب أليمة، ومراتعها وخيمة، وأن الذنب الواحد لا بد أن يضر القلب وتوابعه من الجوارح، كما تضر السموم الأبدان بحسب القلة والكثرة، وإذا علم العباد خطر معصية الله، وعظم الذي يعصونه، وتذكروا أن كل شر وبلاء وقع بالعبيد أنفسهم، أو بغيرهم من المسلمين، إنما وقع بسبب الذنوب والتهاون في فعلها كفوا عنها.

عباد الله: إذا أدرك المسلم آثار الذنوب والمعاصي في أمم سادت ثم بادت، وملكت ثم هلكت، وكيف أحدثت لهم من الله أنواع العقوبات والبلاء، أعانه ذلك على اجتنابها، والإقلاع عنها، فاجتهدوا يا عباد الله! اجتهدوا في طاعة ربكم، والبُعد عن معصيته، وتوبوا إلى الله بالعودة والرجوع إليه، فإنه ما تُقُرِّب إلى الله بشيء أحب إليه من ترك معصيته والقيام بأمره.

ذكر الإمام أحمد عن صفية قالت: [زُلزِلَت المدينة على عهد عمر فقال: يا أيها الناس! ما أسرع ما أحدثتم؟ لئن عادت لا تجدوني فيها] وفي رواية أخرى: [أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما زلزلت الأرض على عهده قال: ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه، والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً].

وذُكر أن رَجْفاً حدث في عهد عمر بن عبد العزيز، فكتب إلى الأمصار: [أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاقب الله عزَّ وجلَّ به العباد، وقد كتبتُ إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا، في شهر كذا وكذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق به؛ فإن الله عزَّ وجلَّ قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:١٤ - ١٥] وقولوا كما قال آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣] وقولوا كما قال نوح: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:٤٧] وقولوا كما قال يونس: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧]].

أيها الأحبة في الله: قد يغتر بعض الناس بفعله للمعصية؛ ولا يجد بعد معصيته فتنة، أو بلية تصيبه، فيظن أن ذنبه يسير، أو أنه لا خطر عليه في فعل هذا الذنب، فهو كما يقول القائل:

إذا لم يُغَبِّر حائطٌ في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبارُ

وقد نسي ذلك المسكين أن الذنب له من الشؤم والآثار القبيحة، المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.