للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معجزة القرآن الكريم]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فعنوان محاضرتنا كما تفضل المقدم جزاه الله خير الجزاء " القرآن وأثره على الفتاة المسلمة " ولا شك أن كتاب الله جل وعلا من تمسك به لن يضل أبداً، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بكتاب الله وسنتي) وهذا القرآن الكريم هو حبل الله المتين من اعتصم به نجا، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكاً، يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤].

وهذا القرآن هو ربيع قلوب المؤمنين، وهذا القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم للبشرية كافة إلى يوم القيامة، وهذا القرآن هو جوابٌ وغذاءٌ ودواءٌ وكنزٌ ثمين، وفيه تلبية لحاجات الأمة الإسلامية إلى أن تقوم الساعة: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:٣٨] وهذا القرآن قد حفظه الله جل وعلا، فلا خطر أن يحرف أو يزاد فيه أو ينقص: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩].

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله:

وإن كتاب الله أوثق شافعٍ وأغنى غناءٍ واهباً متفضِّلا

وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبضٍ على جمرٍ فتنجو من البلا

ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطَّلا

ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا

القرآن الكريم ما نزل إلا ليعمل به، ما أنزل الله هذا القرآن لتزين به المجالس، أو لتزخرف به الدور والغرف، أو ليعلق على الرفوف، أو ليكنز في المساجد، وإنما أنزل هذا القرآن لكي يعمل بصغيره قبل كبيره، ولكي يعمل بدقيقه مع جليله، هذا القرآن هو حجة في كل حرفٍ من حروفه، وفي كل سورة من سوره، وفي كل آية من آياته، فهو معجزٌ، ولهذا كان إعجازه شاملاً لكل شيء، إعجاز البيان، إعجاز اللغة، إعجاز الطب، إعجاز الفلك، إعجازٌ في كل أمرٍ من الأمور، ولذا كان معجزةً خالدة إلى يوم القيامة.

كانت معجزة عيسى من جنس ما اشتهر به قومه، وكانت معجزته في الطب، يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويحيي الموتى بإذن الله، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله، وانتهت معجزته بانتهاء نبوته ورسالته.

كانت معجزة موسى عليه السلام من جنس ما اشتهر به قومه وهو السحر، فجاءت معجزته في يده تخرج بيضاء من غير سوء، جاءته معجزته في عصاه ألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين يلقف ما يأفكون، وانتهت معجزة موسى عليه السلام بانتهاء رسالته.

أما نبينا صلى الله عليه وسلم فلما كانت رسالته إلى الثقلين الجن والإنس إلى يوم القيامة، وهو المقفي، والحاشر، والخاتم وليس بعده نبي، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، فكانت معجزته متجددة لكل زمانٍ ومكان، إلى أن يقبض الله هذه البشرية، وإلى أن تقوم الساعة.

أيتها الأخوات! القرآن العظيم شأنه عظيم، والذي لا يعرف الشيء لا يمكن أن يتصور حقيقته، وأضرب لكم الآن مثلاً، نتكلم الآن عن القرآن الكريم وبالمثال يتضح المقال، لو أننا نسبح في عرقٍ من شدة الحر والقيظ، قد تضايقنا من انطفاء التيار الكهربائي مثلاً في حر الشمس في النهار، وأصبح الواحد منا يسيح عرقاً على وجهه وجسمه، هل يغني عنه أن نصف له أنه توجد مكيفات من نوع (اسبليت) أو من نوع (كلبنيتر) أو من أي نوعٍ من الأنواع التي من شأنها الهدوء والراحة، والتبريد الجميل، لو أن إنساناً يسبح في العرق من الحر وأخذنا نَصِفُ له ألوان وأنواع المكيفات، وبرودة الغرف التي امتلأت بالمكيفات، لا أظن أن وصفنا هذا وكلامنا سوف يجفف من عرقه قدر قطرة واحدة، لماذا؟ لأن وصف الشيء لا يغني عن الدخول في حقيقته، فكذلك التي نقول لها: إن القرآن كذا وكذا وكذا لن تجد حقيقة ما نصف لها إلا إذا دخلت في سلك الحافظات والمتعلمات والدارسات والطالبات، فهذا الذي ذكرناه مثلاً الذي نقول: إنه يسبح من العرق من شدة الحر، لو أخذنا نصف له ساعة في ألوان المكيفات ما جف عرقه، ولم يجد نوعاً من الراحة، لكن حينما نأخذه وندخله في حجرة فيها مكيف ولو واحداً، سيجد خلال دقائق أنه امتلأ راحة، وبرد جسمه، ووجد الطمأنينة والارتياح الكامل، فكذلك هذا المثل نطبقه على ما نحن فيه الآن، حينما نصف أثر القرآن على أناسٍ لا يعلمون بالقرآن، ونصف أثر القرآن لأناسٍ لا يلتزمون بالقرآن، ونصف أثر القرآن لأناسٍ لا يجعلون القرآن زادهم اليومي يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، فإننا كالذي يصف الحسناء للعميان، ولا حاجة إلى مزيد من التفصيل.