للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إيمان الفتاة بالقرآن وأنه كلام الله]

إذاً: فالقرآن كلام الله منزلٌ غير مخلوق، تكلم الله به جل وعلا، فنفهم من هذا أن من صفات الله أنه يتكلم كلاماً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، لا يلزم من كلامه سبحانه أن يكون له لسان، ولا أن يكون له حنجرة، ولا أن يكون في الحلق لسان مزمار، لا يلزم من كلامه سبحانه أن تكون أدوات الكلام التي يخرج بها الصوت من البشر موجودة في الله؛ لأن معتقد أهل السنة والجماعة أننا نؤمن أن الله يتكلم، والكلام من صفات الله الذاتية، ومن صفات الفعل فإن الله في الأصل متكلمٌ ويتكلم إذا شاء متى شاء، فنؤمن بأن الله له صفة الكلام، وهذا جلي واضح، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:١٦٤] وقال تعالى: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:١٤٣] فالله جل وعلا أثبت لنفسه صفة الكلام، فهذا القرآن الذي نحن نقرؤه ونتلوه آناء الليل وأطراف النهار هو كلام الله جل وعلا.

فالواحدة منكن حينما تقرأ كتاب الله جل وعلا فإنها تقرأ كلام رب السماوات والأرض، تقرأ كلام الذي البشرية كلها في قبضته جل وعلا، تقرأ كلام الذي السماوات مطوياتٌ بيمينه، تقرأ كلام الخالق الذي هذه الأنفس على وجه الأرض كلها بيده سبحانه، تقرأ كلام الذي يقدر أرزاق الخلائق في الليل والنهار، تقرأ كلام الذي لا تخفى عليه خافية، تقرأ كلام الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاعرفي كلام من تقرئين، ربما نجد من بعض الناس من يلقي انتباهاً واهتماماً حينما يقرأ كلام مسئول من المسئولين، أو رئيس من الرؤساء، أو عظيم من العظماء، ولكن حينما يتلو كلام الله جل وعلا لا ينتبه له ولا يتدبره، وهذا لا شك أنه من الجهل، فإن من يعرف عظمة ربه ولو أدنى حقوق المعرفة، فإن هذا سيدعوه إلى أن يتأمل هذا الكلام، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، وصدق الله العظيم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

فهذا القرآن أثره على الفتاة أن تعلم أن هذا كلام الله جل وعلا، تقول عائشة رضي الله عنها، جاءت المجادلة التي ذكر الله شأنها في سورة المجادلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:١] تقول عائشة رضي الله عنها وخولة بنت ثعلبة تشكو زوجها، قالت: يا رسول الله! إن زوجي كبيرٌ وقد ظاهر مني، ولي منه عيال، إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن جعلتهم لديه ضاعوا، تقول عائشة: والله إن المجادلة تكلم النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة وما بيني وبينهما إلا الستر -ستارة قماش لطيف- تقول عائشة: الرسول مع المجادلة على يمين الستر في ظاهر الحجرة، وأنا على يسار الستر في باطن الحجرة، والله ما سمعت كلامها، وسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات! فأنزل الله جل وعلا: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة:١].

فأنت أيتها المسلمة! تقرئين كلام الذي يسمع خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، وتقرئين كلام الذي يعلم السر وأخفى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].