للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المسلمين في كوسوفا]

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:٣٣].

أيها المسلمون! لم يعد خفياً أو غامضاً ما يلقاه المسلمون من القتل والتصفية الجسدية البشعة، مع التشريد والتهجير والحرق والتدمير الذي يقع على أنفسهم وأسرهم، وذلك على يدِ الكنيسة الأرثوذكسية، على يد نصارى متعصبين أتباع هذه الكنيسة التي لم تكن من قبل معروفةً إلا بشديد العداء والتعصب، ليس على المسلمين فحسب، بل على أتباع الكنيسة النصرانية الأخرى، وليس التفريق هنا بين الأرثوذكس وغيرهم من باب الذم للأرثوذكس والثناء على غيرهم، فالكفر ملة واحدة، وبعضهم أخبث من بعض، فبعض الطوائف والملل الكافرة أشد عداوةً وحقداً، وبعضها أدنى من غيرها في ذلك.

أيها المسلمون! شردت الكنيسة الأرثوذكسية قرابة مليون نفس مسلمة جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء، أما الشباب فكانت المقابر الجماعية تنتظرهم على موعد الدفن وهم أحياء، وآخرون في السجون والمعتقلات، ولعل المتأمل والمشاهد للصور التي تعرضها وسائل الإعلام لقوافل المهاجرين والمشردين، لا يظهر فيها إلا الشيوخ والعجائز والأطفال والنساء.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كل هذا الشعب صنفان فقط، أطفالٌ وشيوخٌ وعجائز، أين الشباب؟! هل زاغت عنهم الأبصار؟! أم هوت بهم الريح في وادٍ سحيق؟!

الجواب

لا.

بل هوت بهم أيدي الحقد الصربية الأرثوذكسية في أوديةٍ سحيقةٍ من المقابر الجماعية، بعد أن تمت التصفية والقتل والتمثيل لكل من يظهر عليه أدنى علامات الفهم للدين أو التدين.

أيها المسلمون! الحال في كوسوفا مشهدٌ يترجم مفردات الألم والحسرة والذل والمعاناة، التي يمر بها المسلمون هناك، والحال في كوسوفا مشهدٌ يترجم مفردات الحقد والبغض والعداوة الدينية التي بلغت حد القتل والاغتصاب والتشريد، وكل خطبةٍ وكل كلمةٍ وكل فزعةٍ وكل صيحةٍ وأنة وآهة سمعناها من المسلمين إبان عداوة الصرب، وحرب الصرب لهم في البوسنة، نراها متجددةً متكررةً ولكن على مسرحٍ جديد، وعلى عرقٍ من المسلمين جديد، كانت الأولى صربيةً بوسنية، والآن صربية كوسوفية.

فيا أيها المسلمون! لن أعيد وصف المأساة بكل صورها، فحسبكم أنكم المسلمين هنا، كما يقول شاعرهم:

وإن المسلمين بكل أرضٍ قتيلٌ أو شريدٌ أو طعينُ

أرقٌ على أرقٍ وقلبٌ يخفقُ ودمٌ ينزُّ ودمعةٌ تترقرقُ

هذا واقعهم، وتلك صيحاتهم، وإليكم أناتهم: امرأةٌ تلد مولودها وتضع جنينها ثم يخرجها الصرب من بيتها وهي لم تتخلص بعد من الانفصال من جنينها الذي لا زال مرتبطاً بها، وأُخرى تموت وهي تُنقل، وشيخٌ يئن يموت جوعاً وعطشاً، وذاك يموت مرضاً وسقماً، وأطفالٌ تدور أعينهم حائرة، لا يعرفون إلى أين الرحلة، ولا إلى أين المصير، ولو أنهم علموا ما يدور حولهم، لشابت رءوسهم قبل أن يبلغوا المشيب.