للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سؤال في أسماء الله وصفاته]

السؤال

نعرف أن موضوع أسماء الله وصفاته ينبغي أن يورث تعلمه خشيةً لله وأثراً في السلوك، فلماذا لم يتحدث علماء السلف رحمهم الله عن آثار الإيمان بأسماء الله في حين نجدهم يطيلون الحديث وبكل إسهاب في الرد على المخالفين؟ وهل تذكر كتباً تحدثت عن أثر الإيمان بأسماء الله وصفاته نستفيد منها؛ أفيدونا أفادكم الله؟

الجواب

كان الصحابة رضي الله عنه يقرءون القرآن ويتدبرونه ويرون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مشتملة على أسماء الله وصفاته، ومعلوم أن القرآن إنما نزل للتدبر، وأخبار الرسول لم تكن أخباراً ليس لها غاية، فكانوا يقرءون القرآن ويتدبرونه ويرون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمون أنه ليس المقصود مجرد العلم، بل يعلمون أن المقصود العمل، أي: المقصود العلم المستتبع للعمل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩] {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف:١٥٧] واتبعوا النور: الاتباع إنما يكون بالعمل {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:١٥٧] {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} [التغابن:٨] ولم يكن لهم أحاديث خاصة عن الأسماء والصفات، لم يكونوا يخصونها، بل كان الصحابة يتناقشون ويتذاكرون في مسائل الأحكام أكثر من مذاكرتهم في مسائل الصفات؛ لأن مسائل الأسماء والصفات واضحة بينة مسلمة ليست مجالاً للأخذ والرد عندهم، لكن المسائل العملية في بعضها خلاف وهي مجال للاجتهاد، فكانوا يقرءون القرآن ويتدبرونه.

ومعلوم أن تدبر نصوص الأسماء والصفات إذا صدر عن إيمان فلابد أن يثمر عملاً، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] العلم الذي يكون في القلب ويقترن به الانقياد والرغبة فيما عند الله يثمر الخشية، يثمر التوجه، فكانوا يقرءون القرآن ويتدبرونه يورثهم ذلك إخباتاً، يورثهم تذللاً لربهم وإخباتاً بين يديه، وهكذا درج التابعون من بعدهم.

لكن لما حدثت البدع كبدعة التعطيل؛ وهي جحد أسماء الرب وصفاته، بدس من عناصر الكفر والنفاق، ورفعت البدع رأسها وكان لها أتباع، وأنصار ودعاة، قيض الله من يجابه هذه البدع، ويدحض شبهاتها، ويقيم البراهين والأدلة على الحق، وهذا لون من ألوان الجهاد، وهذا جانب من جوانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا فيه تعقيب لما أخبر الله به من حفظ دينه، فرسالة محمد خالدة، إذاً فلا بد أن يقيض الله لها من يحملها ويذب عنها ويحميها.

إذاً: كلام الأئمة في الأسماء والصفات بذكر الأدلة الدالة على الحق في هذا الباب ورد الباطل الذي قام به ودعا إليه رءوس الضلال والجهلة من أتباعهم ممن تأثر بهم وبدعايتهم، فلم يكن هناك إشكال، ولم يكن هناك اشتباه في أن الإيمان بأسماء الله وصفاته يورث خشية، معلوم أن الإيمان بأن الله سميع بصير إيماناً صادقاً يستحضره المؤمن، كل مسلم يؤمن بأن الله سميع بصير وأنه بكل شيء قدير، لكن الشأن في الاستحضار، الاستحضار لهذه الصفات وهذه الأسماء مع الاستحضار لعظمة الله وشدة عقابه ولجلاله سبحانه وتعالى.

لكن ليس كل من علم وآمن بهذه الأسماء وتلك الصفات يكون مستحضراً لها، فلابد أن يغفل الإنسان: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:٢٠٥] الذكر ذكر الله، ذكر يتواطأ عليه القلب واللسان، هذا يصرف كيد الشيطان ويضاد الوسواس، أما مجرد علم لا يستحضره الإنسان في سائر تصرفاته، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) لو كان المقدم على جريمة الزنا أو غيرها مستحضراً لما يعتقده ويؤمن به، مستحضراً له وشاعراً به الشعور الذي ينبغي لما أقدم عليه، لكنه لم يقدم على الزنا أو شرب الخمر إلا عندما يغيب عنه الإيمان ويغفل عن عظمة الله، ويغفل عن أليم عقابه، وعندما يلقي إليه الشيطان بالشبهات يقول له: الله غفور رحيم، والتوبة بابها مفتوح، لا تفكر في التوبة قبل الإقدام على الفاحشة، التوبة فكر فيها وتوجه إليها إذا وقعت، أما قبل الوقوع فالتفكير في التوبة من مداخل الشيطان، أي: أقدم ويمكن أن تتوب، ولكن ما يدريك لعلك لا تستطيع أن تصبر مرة أخرى وأخرى وأخرى، ولعلك أن تعاقب فيحال بينك وبين التوبة، نسأل الله الثبات.

المقصود أيها الإخوة: إن أهل العلم إنما تكلموا وبحثوا وألفوا وناقشوا في باب الأسماء والصفات تقريراً للمذهب الحق ورد الباطل الذي ظهر في الأمة الإسلامية على أيدي المنافقين والجهلة الضالين.

أما مسألة آثار الإيمان بأسماء الله وصفاته فلم يكن محل اشتباه أصلاً، معلوم عند الجميع أن الإيمان بأسماء الله وصفاته يقتضي آثاراً وله آثار بحسب اصطباغ القلب بهذا الإيمان، هذا الجانب الأول في السؤال.

وأما الكتب المؤلفة في هذا الخصوص فأنا لا يحضرني الآن كتاب أستطيع أن أرشد إليه، لكن أصحاب السلوك والتصوف لهم عناية بهذا الجانب، ولعل من أبرز ما أتذكره الآن: مدارج السالكين لـ ابن القيم له عناية؛ لأنه بصدد شرح كتاب منازل السائرين وهو في أثناء الشرح وفي ثنايا كلامه يتعرض لهذا الجانب في مناسبات عديدة، فهو من خير ما يستفاد منه في هذا الباب.

والله أعلم.