للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين موالاة الكفار وبين معاملتهم]

السؤال

نريد من فضيلتكم بيان الفرق بين موالاة الكفار وبين معاملتهم؟ وكيف يجتمع البغض لهم مع البر والإحسان إليهم خاصة فيما يتعلق بالزوجة الكتابية ونحوها؟

الجواب

إذا علمنا أن المولاة تتضمن المحبة والمعاداة تتضمن البغض، والله تعالى يحب المؤمنين ولا يحب الكافرين، وعلى المؤمن أن يوافق الله في ذلك فيحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه الله، والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، والحب في الله والبغض في الله هو من آثار محبة الله ومن آثار طاعة الله، فمن أحب الله حقاً أحب ما يحب وأبغض ما يبغض.

ولا منافاة بين ما أمر الله به من البر والإحسان للكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا، كما قال سبحانه: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:٨] البر هو الإحسان، بحسب المحسن إليه، وبحسب مقتضيات الإحسان.

(وتقسطوا إليهم) فالإقساط والعدل واجب، لأن العدل واجب بين المسلمين وبين الكفار.

فلابد من العدل: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:٥٨] هذا الحكم عام بين الناس مؤمنهم وكافرهم.

{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:١٥٢] الأمر بالعدل واجب، والإحسان يختلف فمنه الواجب ومنه المستحب فهو على مراتب، يكون الإحسان إلى الكافر بالصدقة عليه، بالهدية إليه، جار كافر له حق الجوار كما نص أهل العلم على ذلك، فتكف الأذى عنه، وتحسن إليه الإحسان المناسب، والزوجة الكافرة كما ورد به السؤال والزواج من الكافرة -لا سيما في هذه الظروف وفي هذا العصر- خطر، وقديماً كان الصحابة يكرهون الزواج من الكافرة، ولكن لا شك أن الأصل هو جواز الزواج من الكافرة الكتابية بهذا القيد، فالسائل يسأل: كيف يجتمع البر والإحسان مع البغض؟ أقول: لا منافاة، فإن لكلٍ ما يقتضيه، فالمقتضي للإحسان هو أمر الله بذلك والسبب الذي يوجب ذلك، كالجوار والقرابة، والكفر والمعصية مقتضيان للبغض والكراهية، وهذا أمر معتاد أن الإنسان يمكن أن يقدم الإحسان لمن لا يحبه، يحسن الإنسان إلى الدواب البهائم، وهل يقتضي الإحسان إلى البهائم محبتها؟ لا.

وإنما هي رحمة وطاعة لله ورسوله، إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فلا منافاة فإن البر والإحسان لا يستلزم المحبة، إذاً البر والإحسان لا ينافي البغض، بل يمكن أن يكون الإحسان واجباً والبغض واجباً، كما في حال الأبوين المشركين الكافرين، الله أمر ببرهما وأوصى ببرهما وهما كافران: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:١٤]، {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت:٨] إذاً الوصية ببر الوالدين شاملة للمسلمين والكافرين غير الحربيين، أما الوالد إذا كان حربياً وفي صفوف المحاربين فلا يستحق شيئاً، لكن المقصود غير المحاربين، أن يكون معاهداً.

فهذا واضح.

فمن كان له والد أو والدان كافران يحسن إليهما بمقتضى الشرع، أي: أن الله أمره ووصاه بذلك، ويحسن إليهما ويبرهما أيضاً بمقتضى الطبع، بموجب المحبة الطبيعية، والمحبة الطبيعية يمكن أن تجتمع مع البغض الشرعي، الله يقول لنبيه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦] هذا في مناسبة عمه أبي طالب، الرسول كان يحب عمه المحبة الطبيعية، ويحرص على هدايته، ولكن الأمر لله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ونعلم يقيناً أنه يبغضه لكفره لأنه عدو لله، فهو يحبه المحبة الطبيعية، وهو حريص على هدايته وعلى هداية الخلق، لكن بحكم القرابة، وهو مع ذلك يبغضه فلا منافاة بين المحبة الطبيعية وبين البر والإحسان الواجب أو المشروع بمقتضى الشرع، والحاصل أيضاً بمقتضى الطبع، لا منافاة بين هذا وبين البغض؛ لأن البغض له مقتضى آخر وهو مقتضى شرعي أيضاً، فالله أمر ببر هذا الكافر وببغضه، ومنابذته ومعاملته على أنه كافر.

وهذا أيضاً يلمسه الإنسان من الواقع، فالمسلم الآن يكون له الابن يحبه لأنه ابنه، ولكنه في نفس الوقت يبغضه لله وفي الله، وإن كان يحبه المحبة الطبيعية، لكن هنا يأتي الامتحان، فإن كان يكرمه ويقربه ولا ينكر عليه فهنا قد طغت محبته الطبيعية على محبة الله ورسوله، أما إن كان يحبه المحبة الطبيعية ويتعامل معه بمقتضى الشرع ينكر عليه ولا يقف معه موقف المسالمة، ينكر عليه ويناصحه ويلح عليه ويدعوه إلى الله، ويهجره إذا اقتضى الأمر، ولهذا قال الله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٢٤] هذه المحبوبات الخمسة، لا ضير على الإنسان أن يحبها المحبة الطبيعية، لكن يكون الإنسان آثماً إذا قدم محبة هذه المحبوبات على محبة الله ورسوله، فآثر حبها وترك الجهاد وترك الهجرة من أجل الوطن، من أجل الأسرة، من أجل الأولاد، بخل بماله، الإنسان يحب المال المحبة الطبيعية ولكنه إيماناً بالله وتصديقاً لوعده يخرج ما فرض الله عليه فيه، وإن كان يحبه، لعل في هذا القدر كفاية.

يقول أحد الحاضرين: وإذا كان الرجل متزوجاً من كتابيه، وهو يحبها، فما الحكم؟ الشيخ: الزوجة إذا كان يحبها المحبة الطبيعية إذ محبة الرجل لامرأته محبة طبيعية، ولكن في نفس الوقت يبغضها لأنها كافرة، وفي نفس الوقت يدعوها للإسلام ولا يرضى بكفرها ولا يترك لها فرصة تؤثر على أولادها بل يدعوها للإسلام ويعمل على التأثير عليها، ومن أجل ضعف شخصية كثير من المسلمين في هذه الأعصار وقوة شخصية كثير من الكافرات يتوجه التحذير من الزواج من الكافرات؛ نظراً لضعف مقام وموقف كثير من المسلمين، وقوة شخصية كثير من الكافرات.

ولهذا فالغالب أن يتأثر المسلم بالكافرة، في هذه الأعصار نظراً لحال المسلمين، وضعف مقامهم وشخصيتهم، ولأنهم قد بهرتهم الحضارة الغربية، وكثير ممن يتزوجون الكافرات إنما هو لافتتانهم بجمالهن، هذا هو الكثير.

نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ بالله من الفتنة.