للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستعداد للجهاد في سبيل الله]

السؤال

هل المقصود بولي الأمر الحاكم أم العلماء؟ وهل لو أعلن العلماء الجهاد ورفضه الحاكم هل يقام الجهاد أم لا؟ ثم ما حكم الاستعداد والتهؤ للجهاد في سبيل الله في ظل هذه الظروف الراهنة؟

الجواب

ولي الأمر هم العلماء والولاة، أي: السلطان، هكذا فسرت الآية، من المفسرين من قال في قوله تعالى: {وَأُولِي الْأَمْرِ} [النساء:٥٩] أي: الأمراء، ومنهم من قال العلماء، والصحيح أن الآية شاملة لكل من الفئتين، فهم أولو الأمر، فالله أمر بطاعتهم بهذا القيد ما لم يأمروا بمعصية، فمن أمر بمعصية كائناً من كان فلا سمع له ولا طاعة.

المسألة الثانية: هل للعلماء أن يعلنوا الجهاد؟ نعم، يعلنون الجهاد بالدعوة، العلماء يملكون الكلمة، يدعون يبينون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالكلمة بالبيان بالتعليم، هذا هو الجهاد الذي يملكه العلماء، أما الجهاد الذي يحتاج إلى الإعداد المادي وإلى القوة المادية والسلاح فهذا لا يملكه العلماء، هذا تملكه الأمة في جملتها، ومعظم هذا الثقل هو بأيدي ولاة الأمر الحكام والسلاطين، الملوك والأمراء، إذاً: فليس للعلماء أن يقوموا وأن يسعوا في القيام بهذا الجهاد منفكين؛ لأن هذا يعني الانشقاق، وإقامة جماعة أخرى، لكن على العلماء أن يطالبوا ولاة الأمور بالإعداد للجهاد في سبيل الله على الوجه الذي شرعه الله، ليقوموا جميعاً -علماء وأمراء ورعية- ويكونوا أمة واحدة وصفاً واحداً، أما أن تقوم فئة تريد أن تقوم بهذا الجهاد الذي ليس هو من صلاحيتها، ولا تملك أسبابه، فهذا التفكير وهذا النهج لا يكون له مردود إيجابي.

تريد أن تقوم بهذا الواجب الذي لا تملك أسبابه؛ هذا يعتبر خروجاً عن مقتضى الحكمة والعقل والمسلك الرشيد.

على العلماء أن يدعوا وأن يطالبوا ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويناصحوا ولاة الأمور، ويطالبوهم بالإعداد للجهاد في سبيل الله، أن يهيئوا المجتمع المسلم حتى يكون نقياً؛ لأنه لا يتأتى للمسلم أن يجاهد في سبيل الله على الوجه الذي ترجى عاقبته الحميدة إلا إذا هيء المجتمع المسلم بالإصلاح وبتطهيره من الأمراض الاجتماعية ومن المنكرات، فلا بد من إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسط الأمة حتى تتهيأ ويصح جسم الأمة من علله وأمراضه فتكون مستعدة للجهاد في سبيل الله، فتكون لها العزة التي كانت لها من قبل.

الثالث: حكم الاستعداد، نعم الاستعداد مطلوب، ينبغي للمسلمين أن يستعدوا في حدود مقدورهم: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦] أن يستعدوا للجهاد، يهيئوا أنفسهم، ومن وجوه الاستعداد ما يقدر عليه الفرد، ومنها ما لا يقدر عليه الفرد، ولا يتأتى إلا بالتعاون مع ولاة الأمر، فينبغي لولاة الأمور أن يتيحوا الفرصة لشباب المسلمين ورجال المسلمين أن يعدوا أنفسهم، فيدربوهم ويهيئوهم ليكونوا جنوداً مستعدين لحماية بلاد الإسلام، وصد العدوان، وغزو الكفار إذا تهيأت الأمور في عقر دارهم، فالإعداد مطلوب لكن بالوجوه المناسبة الممكنة التي لا يترتب عليها أضرار ولا مفاسد، فشرع الله قائم على الحكمة: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦] وكما ذكرت آنفاً أؤكد أن الإعداد للجهاد منه ما يقدر عليه الفرد، ومنه ما تقدر عليه جماعة، ومنه ما لا يتأتى إلا بتعاون الأمة وبتهيئة الفرص من قبل ولاة الأمور، وهذا ما نرجوه منهم، وتدريب الشباب أعظم مما حصل ومما يدعى من فتح باب التطوع للنساء للتمريض، التمريض هذا يحتاج إليه إذا حصلت المآسي وحصل القتال فتقديم التطوع أو التوسع بتعليم النساء على ما فيه من المفاسد الملموسة، لكن نتكلم عليه من حيث الأصل، أما التطوع الذي حصل فقد عرف واشتهر، يعني: أن له سلبيات واسعة وكبيرة.

ومن الجوانب التي تؤخذ على فتح باب التطوع للمرأة أنه حصل التوسع فيه دون تدريب الشباب والرجال على ممارسة العمليات الحربية وعلى وسائل الحرب وآليات الحرب، وهذا المنطق غير حكيم وغير معقول، فالبداءة بتدريب الشباب هو الواجب، وتطوع النساء أمر ثانوي، وأمر المرأة ليس كالرجل، المرأة إذا خرجت تعرضتها عقبات شائكة من أوسعها اختلاطها بالرجال عند ممارسة هذا الأمر، مع فساد الأوضاع وفساد الأحوال، فهذا يعني مما يتصل بالإعداد بالجهاد.