للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستهزاء بمظاهر الاستقامة والالتزام]

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ الحمد لله له على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه، وعن الندِّ، وعن المثيل، وعن النظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله في كل صغير وكبير، وفي كل قول وفعل، اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى.

واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

معاشر المسلمين: الزموا جماعة المسلمين، ومن ذلك: أن تشهدوا الصلوات معهم في المساجد جماعة، الزموا جماعة المسلمين، وصلوا الصلوات الخمس في المساجد معهم جماعة.

عباد الله: إن كثيراً من الشباب وغيرهم -هداهم الله، ومنَّ عليهم بالتوبة الصادقة النصوح- ليقعون فيما ذكرناه آنفاً، ليقعون فيه على سبيل السخرية والاستهزاء، وقد لا يرون أنهم وقعوا فيه مباشرة، وإنما وقعوا فيه تسبباً وبما يفضي إليه.

فالبعض مَن إذا رأى مسلماً كريماً متبعاً للسنة، موفراً للحيته، أخذ يستهتر بهذه اللحية، ويشبهها بما تنظَّف به الأرض، أو يشبهه بفلان أو علان، أو يشبهه بما لا يليق به.

ومنهم من إذا رأى شاباً قد اتبع السنة في ثوبه أو في ملابسه أخذ يستهزئ به استهزاءً لا يليق بمسلم ولا يليق بمن قاله.

ومنهم إذا رأى امرأة متحجبة قد سترت وجهها، وغطت يديها بقفازَين، أَخَذَتْ تقول -أَخَذَ أو أَخَذَتْ- تستهزئ بها في كلام لا يليق.

ألا وإن هذا مما يفضي إلى الكفر والشرك عياذاً بالله.

وأولئك الذين يستهزئون باللحى! أيستهزئون بالصانع أم يستهزئون بالصنعة؟! هل يعيبون الخِلْقة أم يعيبون المخلوق؟! نسأل الله جلَّ وعَلا ألا نقع في مثل هذا.

وإنه لينبغي لكل مسلم أن يحذر من الحديث ولو على سبيل المزاح والضحك، بشيء يتطرق إلى السنة، أو إلى كلام الله، أو كلام رسوله، أو إلى ما هو من سلوك شاب مسلم مستقيم.

إننا سمعنا كثيراً من بعض الناس حينما يرون شاباً مستقيماً متديناً بعضهم يسميه: مُطَوِّعاً، وبعضهم يسميه: مُتَشَدِّداً، وبعضهم يسميه: مُعَقَّداً، وإذا كان اتباع الإسلام والتمسك بالسنة تشدُّداً وتعقيداً فلا خير فيمن يقول ذلك، وإذا كان التمسك بالسنة في نظر أولئك العابثين الهازلين شيء من الحَجْر والانغلاق فإن هذا لأمر نتشرف به ما دام ثابتًا من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا، وما فقهه السلف الصالح من علماء المسلمين.

معاشر المسلمين: الله َ الله َ معاشر الشباب! الحذر الحذر من الاستهزاء بشيء من الدين! نسأل الله جلَّ وعَلا أن يعافينا وإياكم من ذلك، وألا يوقعنا في ذلك، وإن الإنسان كما سمعتم في الحديث: (لَيَهْوِي بالكلمة لا يُلقِي لها بالاً، تَهْوِي به في النار سبعين خريفاً) نسأل الله جلَّ وعَلا العافية من ذلك.

واعلموا أن عليكم ملائكة: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:١٠ - ١١] فلا تتساهلوا بقليل القول أو كثيره، أو صغيره أو كبيره: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨].

نسأل الله جلَّ وعَلا أن يتجاوز عنا سيئاتنا.

ونسأله جلَّ وعَلا أن يغفر لنا، وأن يهدينا، وأن يمنَّ على جميع المسلمين بالهداية والثبات.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وأبطِل كيد الزنادقة والملحدين.

اللهم من أراد بشباب الإسلام سوءاً، وأراد بولاة أمورهم فتنة، وأراد بعلمائهم مكيدة، وأراد بنسائهم تبرجاً وسفوراً، اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، يا سميع الدعاء! اللهم افضحه على رءوس الخلائق.

اللهم أذهِب سمعه وبصره وعقله.

اللهم مزِّق شمله.

اللهم فرِّق جمعه.

اللهم لا تبقِ ممن أراد بنا سوءاً أحداً.

اللهم مزِّقهم بدداًَ، وأهلكهم من على الأرض منهم جميعاً، يا رب العالمين! اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هَمَّاًَ إلا فرَّجته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره.

اللهم يا فرج المكروبين، يا نصير المستضعفين، يا إله الأولين والآخرين، اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمنا، ومن كل فتنة عصمة، برحمتك يا رحمان يا رحيم، يا قيوم السماوات والأرض! اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وعافهم، واعفُ عنهم، وأكرِم نُزُلهم، ووسِّع مُدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقِّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس.

اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله آجالنا، واقرن بالعافية غدوَّنا وآصالَنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم إنا خلقٌ من خلقك، وعبيدٌ من عبيدك، فلا تحرمنا فضلك بمعاصينا، ولا تطردنا عن رحمتك بذنوبنا، فمهما عَظُمَت ذنوبُنا فإن رحمتك أكبر، ومهما كثرت معاصينا فإن فضلك أكثر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام! عباد الله: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وزِد وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه، وسلِّم تسليماً كثيراً.

وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنِّك وكرمك، يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم؛ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.