للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فاعتبروا يا أولي الأبصار]

الحمد لله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند وعن المثيل والنظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] وأصلي وأسلم على نبينا محمد البشير النذير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأصلي على نبيه وآله وأزواجه وصحبه، وأسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعظوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

معاشر المؤمنين: إنه ما من أمة من الأمم غزيت في عقر دارها، إلا ذلت وخسرت إلا ما شاء الله وسلم.

معاشر الإخوة: اعلموا أنه ينبغي لكل مسلم أن يتفطن لواقعه، وأن ينتبه له انتباهاً جيداً، ما يبلغ الأعداء من غافل ما يبلغ الغافل من نفسه ما تسلط عدو على دار إلا لأنه وجد نافذة مفتوحة، أو بوابة مهملة، وما تسلطت أمة على أمة إلا لأنها علمت في داخلها أبواباً من الفساد الإداري أو الاقتصادي، وألواناً من الخيانة، وصوراً من الفرقة والاختلاف وعدم الوحدة.

فالله الله يا عباد الله! خذوا العبرة ممن حولكم: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:٢] اجمعوا قلوبكم على المحبة والولاء لكتاب الله وسنة رسوله، ولأئمتكم وعلمائكم ولعامة المسلمين.

عباد الله: خذوا العبرة ممن حولكم، وليصلح كل واحد منا نفسه، وليتق الله فيما ولاه الله من عمله، الله الله لا يؤتين الإسلام من قبل واحد منا، إن كل واحد منا على ثغرة من ثغور هذه الأمة، وثغرة من ثغور هذه البلاد، وثغرة من ثغور هذه الشريعة، البقية الباقية في أمم العالم التي تحكم شريعة الله.

معاشر المؤمنين: كل واحد منكم على ثغرة في ميدان عمله، وفي جنديته وقيادته، وفي عمله الإداري والتعليمي والوظيفي والميداني والمهني والتقني وغيره، كل واحد منا على ثغرة، فإذا رأى العدو -وأعداؤنا كثير، وحسادنا لا يحصون- إذا رأوا في أمتنا تمسكاً وائتلافاً واجتماعاً على قلوب صادقة مخلصة لله ولكتابه ولسنة نبيه، فإنهم يهابون الأمة.

واعلموا أن مؤشر ضعف الأمم وعزها وانتصارها هم شبابها، فإذا عُلم وعُرف الشباب في أمة من الأمم قد اشتغلوا بما ينفعهم، والتفتوا للأمانة التي علقت في أعناقهم أمانة أمتهم، ممثلة في أعمالهم ووظائفهم، وأمن حدودهم، وأمن بلدانهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، إذا حفظوها وقاموا بها، وأشغلوا أوقاتهم وأيامهم بما ينفعهم ويعود بالنفع على سائر إخوانهم.

فهذه أمة مهابة لا يجرؤ الأعداء على الدنو منها، أما إذا وجدوا شباباً لا همَّ لهم سوى التصفيق والتطبيل والتزمير، إذا وجدوا شباباً لا يعرف إلا الأفلام والمسلسلات، إذا وجدوا رجالاً لا يعرفون إلا التجارة بالملاهي، إذا وجدوا أناساً لا يهم كل واحد منهم إلا مصلحته المادية الشخصية، أياً كان ذلك العمل، الذي يدر المال عليه، فيه نفع أو ليس فيه نفع، فيه ضرر على الأمة والمجتمع أو ليس فيه ضرر، فعند ذلك مؤشر واقع الشباب في الأمة يكون نذير خطر بأنها مهددة بغزو من داخلها أولاً، ومن خارجها ثانياً، فالعزة والبقاء والدوام لله، ما دامت أمة وما بقيت أمة من الأمم عالية الراية، خفاقة الكرامة، لها سيادة دامت إلا بقدر تمسكها بكتاب الله وسنة نبيه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٤] والضنك في المعيشة: اختلاف في الداخل، وفقر في الأمور، وقلق وزعزعة في الأمن، وتسلط الأعداء من الخارج.

فيا عباد الله: لا تحققوا بأفعالكم أو بذنوبكم سنة الله فيكم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه:١٢٤ - ١٢٦] فالذين نسوا كتاب الله، ونسوا الصلاة، ونسوا فريضة الله، ونسوا الصلاة مع الجماعة، وتعاملوا بالربا، وأقروا المنكرات، ولم يغيروا ولم ينكروا ولو بقلوبهم، أو بحسب ما بأيديهم من القدرة والإمكانية لعلى خطر عظيم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥].

أسأل الله جل وعلا أن يديم الأمن والأمان والعز والاطمئنان على هذه البلاد خاصة وعلى سائر بلاد المسلمين عامة، اللهم ارفعنا ولا ترفع علينا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم اجمع شملنا، ووحد على محبتك قلوبنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على أعدائنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا غائباً إلا رددته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أسيراً لنا ولإخواننا إلا فككته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته.