للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العداوة بالتخويف]

الصنف الثالث الذي هو صنف المثبطين والمرجفين، الذين لا نقول: إنهم أعداء في ذواتهم وأشخاصهم، لكن هم في الحقيقة يمثلون دور عدو من حيث لا يشعرون، ألا وهم الذين يمثلون دور الإرجاف والتثبيط، وهذه القضية لاحظتها كثيراً في كثير من المناطق، تجد منطقةً الشباب الطيب فيها كثير، الملتزمات فيها كثير، الصالحون فيها كثير، الصالحات فيها كثير، ولكن يوم أن تقول لأحدهم: يا أخي الحبيب! ما الذي يمنعك وما الذي يردك عن أن تقوم بدورك وواجبك تجاه الدعوة إلى الله جل وعلا؟ وأنت قادرٌ أن تتكلم، فإن عجزت عن الكلام فأنت قادرٌ على أن تجمع من إخوانك عدداً تذهب أنت وإياهم إلى درس لأحد العلماء، أو لسماع محاضرة، أو لحضور ندوة، أو لزيارة عالم من العلماء، فإن عجزت عن ذلك فلست بعاجزٍ عن أن تشتري عدداً من الأشرطة توزعها في مناسبات، أو في زواج، أو في لقاء، وإن عجزت عن ذلك فلن تعجز عن كتيبات توزعها في أي مناسبة؛ لعل الله أن ينفع بها فيقول: والله تعب، أنا ليس عندي قدرة على الكلام، لكن عندي جلد فأنا مستعد أن أمر على شباب من الفاسدين المنحرفين يومياً وآخذهم، وأذهب بهم، وأحاول أن أحفظ أوقاتهم من الضياع، وبدلاً من أن يجلسوا مع أهل الشر أضمن لهم الجلوس في أماكن الخير، وبدلاً من أن يسهروا على الفساد أذهب بهم إلى حلق الذكر ومجالس العلماء، وبدلاً من أن يسافروا إلى دول فاجرة أسافر بهم إلى مكة والمدينة، ونزور الشيخ ابن عثيمين في القصيم، ونزور الشيخ ابن باز في الرياض فيقول لك: أنا أقدر على ذلك، أو يقول لك آخر: أنا قادر، عندي خير، وعندي فلوس أن أشتري مائة شريط شهرياً بثلاثمائة ريال، ما أعجز عن توزيعها على أقاربي وجماعتي، أو في مناسبة من المناسبات، أو شباب أعرف عنهم الاجتماع والتسكع في الطرقات، وإشغال بنات المسلمين بالمعاكسات لكن هنا تبدأ صورة العداوة حينما يقول: أنا أقدر أن أدعو لكن أخاف، أنا أقدر أن أوزع شريطاً لكن أخاف، أنا أقدر أن أوزع كتاباً لكن أخاف حسناً! تخاف ممن؟ هذه هي عداوة الوهم، أن الإنسان يتخيل أنه على خطر، وهو ليس على خطر، قيل: إن أحد الأطباء جاءه رجل إذا مشى يطأطئ رأسه، فقال له: ما بك؟ ارفع رأسك.

قال: لا، لا، فأخذ يعالجه فوجد أنه مصاب بمرض نفسي، يتوقع أن فوق رأسه جرة كبيرة من الطين من الفخار، ويمشي هكذا ويخاف أن تقع الجرة، حتى جاء أحد الأطباء، وقال: ائتوني به في اليوم الفلاني، فلما دخل كان قد وضع فوق بوابة المدخل جرة، فلما دخل كسر الجرة المعلقة على البوابة، فالتفت الرجل وقال: آه، تصدق يا دكتور هذه الجرة كانت تشغلني سنوات طويلة، ما كنت أستطيع أن أمشي!! والله لا على رأسه جرة ولا هم يحزنون، فالذين يخافون من دور الدعوة، والذين يخافون من المشاركة في الدعوة إلى الله، والقيام بالمشاركة في شرف الدعوة إلى الله؛ هم في الحقيقة مثل الذي يتخيل أن على رأسه جرة فخارية، ولذلك تجد الخوف قد كسر ظهره وأحنى ظهره، فلا يستطيع أن يتصرف أو يتحرك.

أقول: يا أخي الحبيب! لماذا الخوف؟ أسألك بالله حينما تشتري مائة شريط من تسجيلات إسلامية وتوزعها، الشريط الذي اشتريته هل أتيت به سراً ما عرف عنه موظف الجمارك في المطار؟ الشريط الذي اشتريته ونسخت منه مائة نسخة هل أتيت به مع باخرة لم تكتشفها خفر السواحل؟ الشريط الذي أنت الآن توزعه هل هو ممنوع؟ أبداً، تجد عند كل تسجيلات إسلامية شريط: احفظ الله يحفظك المحاضر: فضيلة الشيخ الداعية عائض القرني، فسح هذا الشريط من وزارة الإعلام برقم وتاريخ، شريط مفسوح من وزارة الإعلام، قد مرَّ على رقابة ليست رقابتك، وفتحته وأذنت ببيعه، فقل لي بالله عليك: ما الذي يخيفك من شرائه وتوزيعه وإهدائه؟ والله -فعلاً- نحن عندنا وهم أننا نمارس أشياء ممنوعة! وآخر تقول له: الزواج الفلاني سوف يحضر فيه مائتا رجل ومائتا امرأة، فما رأيك أن توزع على النساء كتيب: يا فتاة الإسلام احذري سماعة التليفون، وتوزع على الحضور كتيباً اسمه: العقيدة الصحيحة وما يضادها لسماحة الشيخ ابن باز؟ فيقول: لا والله، أنا أخاف أن يلتفت الناس إليَّ ويقولوا: فلان صاحب توزيع، فلان صاحب نشرة! أنت توزع ماذا؟! هل توزع مخدرات؟! تيكونات؟! كبتل جول؟! كوكائين؟! هروين؟! ماذا عندك؟! توزع كتاباً صدر الإذن بطباعة هذا الكتاب من إدارة المطبوعات والنشر من وزارة الإعلام برقم وتاريخ، ما دام صدر الإذن في طبع وتوزيع ونشر هذا الكتاب، فما الذي يخيفك من الدعوة؟! هنا تظهر عداوة الإنسان لنفسه، عداوة الوهم، أو كما يظن البعض ويقول: والله يا أخي أنا إنسان مراقب، ولأجل ذلك لا أستطيع أن أمارس الدعوة باسم الله عليك أيها المراقب! أين أنت؟ هل أنت في العراق وشياطين البعث تراقبك؟! وافرض أنك مراقب، ماذا يحصل؟ إذا اشتبه رجل الأمن في قضية فمن حقه أن يراقب حتى تتضح المسألة، وأهلاً وسهلاً برجل الأمن، إذا أتى، فافتح له البيت، أنت ما عندك شيء، وقل له: تفضل، مع أن هذا ما حصل، لكن أنا أريد أن أزيل هذه الشبهة والأوهام التي تعلق بها بعض الشباب وقعدوا عن الدعوة، وبعض الناس الذين يرون أن من الاتزان والحكمة والهدوء والرزانة أن الإنسان لا تصير مهمته توزيع أشرطة وكتب وأشياء مثل هذه، هذا من الاتزان والهدوء والرزانة! لا، هذا -يا أخي الكريم- من الخوف والعداوة التي استحكمت بوهم جعلك رعديداً خوافاً، ترغب أن تمارس الخير فتعجز عن فعله، فيا أخي الحبيب! إياك أن تبلغ عداوة نفسك لنفسك، أو عداوة الوهم فيك ومن حولك إلى درجة أن تعطلك عن الدعوة والمشاركة في الدعوة إلى الله جل وعلا.