للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريم التبرج والسفور وآثاره على الناس]

نعود إلى مشكلة التبرج والسفور لنرى أن القرآن قد ذكر هذا الموضوع في قوله جل وعلا: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣] فالتبرج من عادات نساء الجاهلية، ولا شك أن امرأة تخرج بهيئة متبرجة فإن الشيطان يستشرفها ويعد بها ولها الفتنة والبلاء بخروجها، ولا يشك مسلم في حرمة هذا الفعل الدنيء، فهو حرام بمقتضى مصالح العباد في تحريمه لو لم يرد دليل ينهى عنه، فكيف وقد جاء الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) فلتعلم النساء، علموهن -يا معاشر الرجال- أن هذا الأمر حرام وشر مستطير، وعلموهن بهذا.

ومن مساوئ هذا التبرج والسفور أن يصاحبه اختلاط المرأة بالرجل وانفراده بها في محله أو معرضه أو في الطابق الثاني من المعرض، فإذا جاءت المرأة متبرجة بالصفة التي ذكرنا، وصاحب ذلك الخلوة والانفراد فقد وقع المحذور إلا ما شاء الله، وكيف لا يقع والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه.

ومما يجرح القلب أن ترى صاحب الحانوت أو المعرض لا يتردد أن يلبس المرأة التي جاءت إلى معرضه، لا يتردد أن يلبسها حلياً أو مصاغاً أو ملبوساً بعد أن مدت يديها له بحجة أنه يساعدها في ذلك، وهو يعبث بيديها ويقلبها بين يديه في صورة المعونة والمساعدة، وهذا واقع في كثير من النساء اليوم، فإن كانت لوحدها فمن الملوم هي أم وليها أو كلاهما جميعاً، وإن كان زوجها بجانبها فهو ديوث على رضائه بما يرى، ولا شك أن ذلك التبرج يشعل فتيل النظرات الجائعة التي أعقبت حسرات وأنات ضائعة، بفعل غافل أو جاهل عن ذكر الله وأمره ونهيه، فلم يقدر عاقبة نظره:

وأعقل الناس من لم يرتكب عملاً قد لا يفكر ما تجني عواقبه

إن التبرج والسفور لو لم يأت من مصائبه إلا أن يجعل الناس لا يغضون أبصارهم، وأن يطلقوا نظراتهم في الحرام، فكفى به بذاءة وخسة ودناءة، يقول ابن قيم الجوزية:

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

ويقول الآخر:

كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر

ولهذا الجانب من آثار التبرج وهو النظر حديث يخصه إلا أنا ذكرناه بأنه أول مصيبة تنجم عن رؤية المتبرجات السافرات، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني: زانية) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح، وفي رواية: (أن المرأة إذا استعطرت فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية) أعوذ بالله من التبرج والسفور، نعوذ بالله ونعيذ نساءنا ومحارمنا وبناتنا من التبرج والسفور، ونسأل الله على ألا يرينا فيهن عورة مهتوكة أو ستراً منكشفاً.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.