للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعمة الحياة والعيش في المجتمع المسلم]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله! أحمد الله وحده لا شريك له الذي منّ علينا وعليكم بالإسلام، وقد ضل عنه خلق كثير، وكتب لنا أن نولد ونعيش ونتربى في مجتمعات المسلمين، فهذه والله نعمة عظيمة، وما ظنكم بواحد منا لو عاش في مجاهل الصين، أو في أفريقيا، أو في دول الإلحاد والإباحية والكفر، لا ينجو من الكفر إلا القليل القليل، فكانت من أعظم المنن وأجل النعم من الله جل وعلا أن عشنا وولدنا وتربينا في هذه المجتمعات الإسلامية، نسأل الله جل وعلا أن يجعل الإسلام قواماً لها في جميع أمورها دقيقها وحليلها.

ومن نعم الله أيضاً أن منَّ الله على هذه الأمة بنعمة التوحيد، وقد ضلت كثير من الأمم والخلائق عنه، فما أكثر الأمم والدول التي تنتسب إلى الإسلام، وتعد نفسها في قائمة العالم الإسلامي والإسلام منها براء، تحكم غير شرع الله، وتذبح لغير الله، وتدعو غير الله، وتقيم مناسبات بدعية يشرك فيها بالله جل وعلا، وصدق الله العظيم حيث يقول: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦].

يظنون أنهم على إيمان، ولكنهم في الحقيقة قد وقعوا في الشرك، ونسبة الإيمان أو الشرك أمر يعود إلى الجملة والفئة العامة، ولا عبرة بالنوادر والقليل، إذ لا تخلو أمة أياً كانت بعيدة أو قريبة من موحد من الموحدين.

كانت العرب تقر بأن الله هو الخالق وهو البارئ وهو المهيمن وهو المتصرف، وقد ورد ذلك في كلامهم وفي أشعارهم، يقول أحدهم:

وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق

فالأمر لله نافذ في كل دقيق وجلي، ويقول الآخر منهم:

ألا قبض الرحمن ربي يمينها

إذاً فهو يعرف أن الرحمن هو الذي بيده الأمر النافذ والحكمة البالغة، وإذا قدر أمراً فقدره نافذ سبحانه وتعالى، لكن مع ذلك يشركون مع الله في عبادتهم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ووداً وسواع ويغوث ويعوق ونسراً وغير ذلك من أوثان وأصنام الجاهلية.

ما أشبه الليلة بالبارحة! الكفر الذي مضى والوثنية التي سلفت في الأمم الماضية، هو موجود في هذا الزمان، لكن الذي لا يعلم يظن أن الناس كلهم مثل حاله، ولو قدر له أن يرى ما رآه غيره، لرأى الجاهلية الأولى بل أشد منها؛ لأن أهل الجاهلية الأولى كانوا إذا حزبتهم الأمور، واشتدت بهم الكربات، وضاقت عليهم المذاهب، دعوا الله مخلصين له الدين: وإذا ركبوا في الفلك {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:٢٢] أما كفار هذا الزمان فالأمر يشتد بأحدهم وبأفرادهم وبأممهم وبجماعاتهم، ومع ذلك يقولون: دعونا نجرب مذهباً رأسمالياً، دعونا نجرب مذهباً اشتراكياً، دعونا نجرب مذهباً بعثياً، دعونا نجرب طريقة بدعية، يجربون ويجربون وما يزيدهم إلا ضلالاً وخساراً وبواراً.

فرغم ما حل بهم من المحن والمصائب، ما فكروا يوماً من الأيام أن يتجهوا إلى الله مخلصين له الدعاء، والله يجيب المضطر {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢] فالحاصل أن من نعم الله علينا في هذه الدولة ولله الحمد والمنة أن عشنا في مجتمع مسلم.