للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واقع التربية في مجتمعاتنا]

يا أيها الأحبة! إن الحديث في هذه الكلمة المتواضعة يدور حول التربية، والتربية في واقعنا وفي أرضنا، وفي كل مكان وما أجمل الصراحة في الحديث حتى تكون الأدوية على عين المرض! التربية في واقعنا وفي مجتمعنا تتنازعها مؤسسات عديدة، وشأن التربية لا يخلو بين الولد وأمه وأبيه ومجتمع قريته المتواضع الصغير، فلا يمكن أن يوجد شذوذ أو جنوح أو نشاز في طريقة التربية، أو في منهجها ووضعها، لأن الذي يصنع شخصية الفرد كان فيما مضى إمام المسجد، جو المسجد، بيئة المسجد، جو القرية، المزرعة، المدينة المحدودة المتواضعة.

أما الآن فالناس قد انفتحت عليهم السبل، وانفتحت عليهم أمور جديدة، شنّفوا لها الآذان، وفتحوا لها الأسماع، فكان لها دور عظيم في صياغة شخصياتهم، وفي صياغة أنماط حياتهم، ومن ذا يقول: أرى شيئاً فلا أتأثر به؟ ومن ذا يقول: أسمع لهواً فلا أتأثر به؟ ومن ذا يقول: أرى أوضاعاً فلا أتأثر بها؟ والله إن كل واحد منا ليتأثر، سواءً شعر بهذا التأثر أو لم يشعر، لكنه في حقيقة أمره متأثر، لا عصمة إلا للأنبياء، أما سائر البشر فإنهم يتأثرون حتى ولو لم يقارفوا الذنوب والمعاصي، فإن عيشهم في مجتمعٍ تنفتح فيه الذنوب والمعاصي، يؤثر على مدى غيرتهم وإنكارهم للمنكرات.

ذكر أن واحداً من السلف، كان قافلاً من المسجد عائداً إلى بيته، فرأى في طريقه منكراً، فاشتد غضبه، وانتفخت أوداجه، واحمر وجهه، فلما عاد ما طاق أن يبول إلا دماً، من شدة تأثره، من شدة الهزة العنيفة التي أدركت أعماق أجهزته الباطنية من هذا الجسم، ثم رأى ذلك المنكر فتأثر تأثراً دون الأول، ثم رآه مرة ثالثة ورابعة، فأصبح الأمر عادياً طبيعياً.

فالإنسان يتأثر، ولو كان لا يقع في أي شيء مما نهى الله عنه، إلا أن الإنسان بحكم اجتماعيته ويتأثره بمن حوله، لا شك ولا ريب ولا محالة أنه يتأثر بالأوساط التي يخالطها.