للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دور وسائل الإعلام]

الدور الأخير في التأثير في العملية التربوية هو دور وسائل الإعلام، فإن وسائل الإعلام لها دور كبير ليس فقط في صناعة السلوك، بل في صناعة المعتقدات.

هناك في فلم كرتون يقول: إنسان زرع بذرة فول ونمت هذه البذرة، وشقت السماء، واخترقت السحب، حتى وجد هناك مكان فيه قصر عامر، وهناك دجاجة تبيض ذهباً، وبين فترة وفترة هذه الدجاجة ترسل الذهب، فحاول أن يسرق الدجاجة ما استطاع، في يوم من الأيام أتى بحيلة واستطاع أنه يسرق الدجاجة.

هذا يكون لدى الأطفال أنه يمكن الذي في السماء إنسان له قصر عامر بهذه الصيغة، وقد يظن أن الشخص صاحب الدجاجة التي تبيض هو الإله، في صورة من الصور.

مشهد من مشاهد أفلام الكرتون: رعود معينة، ثم ينكشف الأمر فوق السحب، وإذ هناك اثنين يمسكون عصيان ويضربون طبول شديدة، والناس يسمعون الرعود.

إذاً الطفل في وقت مبكر، يظن أنه إذا كان هناك رعود، فأكيد أن هناك ملائكة تطبل في السماء، فهكذا يدخل في اعتقاده، قلت: نعم، أو قلت: لا، لا يهم، المهم أن هذا هو ما يوجد فعلاً في تصور هذا الطفل، بعد ذلك يأتي واحد معه صحنان يضرب أحدهما على الآخر، فيكون ذلك هو البرق.

قضية ما يتلقاه الأطفال عبر الشاشات والمسلسلات والأفلام، ليس له دور فقط على سلوكهم وتصرفاتهم، بل له دور على معتقداتهم، وأذكر ذات مرة أنني في خطبة من الخطب، وبصريح العبارة ذكرت اسم المسلسل والحادثة التي حدثت، ذئب أو غيره -كل الحيوانات في الأفلام متكلمة- لما شفي من مرض فيه، قال: تعويذة فلان هي التي شفتني.

وبالمقابل تجد الأطفال إذا وقع أحدهم منكسراً، يدرون عليه الماء، ويعملون له تعويذة من أجل أن يشفى.

إذا الأطفال يتأثرون ويكتسبون، والبيت والمدرسة ووسائل الإعلام أياً كان نوعها هي التي تنازع في قضية التربية، لا أقول: تنازع، أي: تجادل، لكن كلٌ ينال نصيبه وينتزع حصته من قضية التربية، ولهذا ما لم تكن وسائل الإعلام بناءة وخيرة، وموجهة إلى ما يبني الفرد بناءً صحيحاً، وإلا فاعلم أنك لن تجني من الشوك العنب.

ذكرت إحدى المجلات في الكويت أن مسلسلاً فيه أن رجلاً أراد أن يسرق بيتاً، فما استطاع؛ لأن أهل البيت كانوا متيقظين، فأتى ببخاخ مخدر وفي غفلة من أهل البيت استطاع أن يبخ كمية كبيرة عبر النافذة تسللت إلى داخل البيت، حتى نام أهل المنزل، واستطاع أن يدخل المنزل ويسرق ما يشاء.

بعدها بفترة بسطية حدثت جريمة فيها نوع اغتصاب بنفس الطريقة، شاب جاء وبخ هذا المخدر، ونام أهل البيت واستطاع أن يدخل ويفعل ما بدا له ويخرج حتى أذكر أن المجلة قالت: إن التلفزيون يعلمنا الجريمة.

إذاًً الأفلام والمسلسلات العملية لها أكبر الأثر وأكبر الدور في صناعة السلوك والشخصيات، وبالمناسبة ومادام الحديث أيضاً عن التربية، وأوجه هذا الحديث إلى الأستاذة خاصة، وأيضاً يوجه الحديث للطلاب، أنك في أي مرحلة من مراحل تعليمك أنت لا تزال تربي وتتربى، فضيلة الشيخ عبد الله بن غديان حفظه الله وحفظ علماء المسلمين أجمعين، كنت مرة أسأله في مسألة معينة، قلت له: أنا أدرس في الكلية وأحد الطلاب سألني كذا، وأجبته بكذا وكذا وكذا، فقال لي: ينبغي أن تعلم أنه في أي مرحلة من مراحل التعليم، أن الإنسان يربي قبل أن يعلم، ولذلك لم يكن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في كل سؤال هو الإجابة، بقدر ما يكون للتربية دور في جواب السؤال.

جاء رجل وقال: (يا رسول الله متى الساعة؟)

الجواب

بعد كذا سنة، لا،

الجواب

( وماذا أعددت للساعة؟) توجيه القضية التعليمية إلى تربية في مرحلة من المراحل، قال: (والله ما أعددت كثير عمل، أو صلاة أو صيام، لكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت) إذاً النبي صلى الله عليه وسلم وجه هذا الرجل بجواب تربوي، إذاً فالتربية أمر ينبغي أن يكون موجوداً في أي مرحلة من مراحل الحياة، وكل منا لا يزال يتربى، يبلغ الواحد من العشرينات والثلاثينات، ويظن أنه قد اكتسب خبرة في الحياة، وفي يوم من الأيام يمر لك موقف وتعرف أنك أجهل الناس في هذا الموقف.

إذاً لازلت تتربى، ومن بعد أسبوع يقابلك موقف جديد، فتقول: هذا درس جديد، وبعد أسبوع تأخذ درساً وتقول: هذا درس جديد، وما تزال تتربى حتى يضعك الناس في قبرك، لأن هذه أمور سلوكية، والإنسان لا يمكن أن يحيط بجميع سلوك الناس وتصرفاتهم، ولا يمكن أن يخبر الناس ويحيطهم في إطار التجربة، ولذلك فكل جديد بالنسبة له يمكن أن يستفيد من خلاله قضية أو عملية تربوية.