للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأمل في عظم خلق الله]

أيها الأحبة في الله: إن المتأمل في كتاب الله جل وعلا خاصة في ما يتعلق بالنفس الإنسانية التي تدب على وجه الأرض، وما جمعت من الصفات والعجائب في دقيق الخَلق والخُلق ومراحل النمو والتطور، وتعدد الغرائز والحواس، ليجد الخضم المتلاطم في بحر عظيم خلق الله وقدرته، وصدق الله العظيم حيث قال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:٢١].

إن هذه النفس البشرية التي تجادل وتنازع في خالقها وبارئها لهي أكبر دليل على ربوبيته ووحدانيته وكمال قدرته ومشيئته:

فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

أنت أيها الإنسان لم تكن شيئاً يذكر أو يعرف لولا تقدير الله في خلقك وإيجادك {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:١ - ٢].

تفكر يا بن آدم! من الذي أوجدك من عدم من ماء مهين في صلب أبيك ثم نطفة في رحم أمك ثم يسر لك السبيل إلى هذه الدنيا؟ إنه الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وصدق الله العلي العظيم حيث قال: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:١٧ - ٢٢].

يا بن آدم! من الذي هداك إلى ثدي أمك تشرب منه لبناً خالصاً سائغاً؟ ومن الذي هيأ هذا الثدي بهذه الطريقة الملائمة لخلقك، المتلطفة بضعفك وعجزك؟ إنه الله الذي أحسن كل شيء خلقه وقدر فهدى.

يا بن آدم: من يحفظك في صغرك وشبابك وشيبتك وكهولك وهرمك؟ من الذي يحفظك من مصائب الليل والفلق ومن شرور ما خلق من الجن والإنس والبهائم والسباع والهوام؟ إنه الله الذي يحفظك بحفظه وإرادته، ولولاه جل وعلا لتسلط مارد من الإنس على بدنك ومالك أو شيطان من الجن على عقلك ونفسك، أو حية أو هامة أو غير ذلك يؤذيك في بدنك، ولو أصابك شيء من ذلك لما استقر لك قرار، وما تلذذت بنعيم في هذه الدار، وصدق الله العظيم {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:١١] {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:٤].