للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظهور البدعة وانتشارها]

أول ما ظهرت هذا البدعة ظهرت من ملك الأردن في القرن الرابع أو الخامس، وكان يسمى" كنكبوي "رأى النصارى يقيمون عيد ميلاد لعيسى بن مريم، فقال: نحن أحق بهذا العيد منهم، فقام وأنشأ هذا العيد وتبعه المبتدعة إلى يومنا وزماننا هذا.

أولئك الذين يقيمون الأعياد أحمق وأشد جهلاً وجرأة على الله وعلى رسوله من ذلك: أنهم ينصبون الأدلة على شرع هذه الموالد، أهم أعلم من رسول الله بسنته؟ أأولئك خيرٌ من خلفاء الله الراشدين الذين هم أعلم بنبينا صلى الله عليه وسلم وبسنته، والذين هم أقرب لنبينا صلى الله عليه وسلم، الذين هم أخذوا شرعه وطبقوه وجاهدوا معه حق الجهاد؟ أأولئك المبتدعة خيرٌ وأعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل جهله الصحابة وعلمه أولئك المبتدعة؟ هل علمه الصحابة وسكتوا عنه أو علمه أولئك ودعوا إليه؟ لقد افتروا شيئاً عظيماً، وتجرءوا على الله وعلى رسوله، إن ربنا سبحانه وتعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣] فقد أتم الله النعمة وأكمل الدين ورسالة النبي خاتمة مهيمنة، فمن جاء بعد ذلك فكأنه يقول: إن هذا شيء جديد في الدين لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله، وإن أولئك الذين هم من أهل الموالد يضيفون هذا الأمر الجديد إلى شريعة الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا افتراء وجرأة على الله وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم.

والعجب العجاب أن هذه الموالد تعطل لها مصالح المسلمين في كثير من البلاد المجاورة، ويجعل لها عيداً كاملاً، وإذا عرفتم وأردتم حقيقة هذه الموالد وأنها لا تقدم في دين الإسلام شيئاً ولا تؤخر وأنها لا تثير في المسلمين حماساً ولا جهاداً، بل هي من تضييع عاطفتهم وحماسهم في شيء من هذه الطقوس والعادات التي لم يشرعها الله، إذا تأملتم ذلك، أدركتم أن أعداء الإسلام لا يعترضون على هذه الموالد، في البلاد التي يحارب فيها الدعاة ويحارب فيها المسلمون ويحارب فيها المصلون إذا جاء يوم المولد سمحوا لمن أراد أن يقيموا مولداً بعيده هذا ومولده هذا، لماذا؟ لأنه في الحقيقة حيلة على عامة الناس الذين في قلوبهم شيء من الغيرة والشمم والإباء، وفي قلوبهم شيء من الآمال والآلام التي سرقها الطواغيت في بلدانهم هناك، فيرون في هذه الموالد شفطاً وسحباً لهذه النقمة التي في نفوسهم، فتضيع في وسط هذا العيد، وبعد ذلك تنقلب حماسات المسلمين، وعواطفهم تجاه دينهم تتبلور وتصب في قوالب هذه الطقوس التي لم يشرعها الله ولم ترد عن نبيه.

هذه الموالد التي يطبلون فيها ويزمرون صدق فيها ابن القيم في ما أورد في كتابه حيث قال:

تُلي الكتاب فأطرقت أسماعهم لا خيفةً لكنه إطراق ساهٍ لاهي

وأتى الغناء فكالحمير تراقصوا والله ما طربوا لأجل الله

دفٌ ومزمارٌ ونغمة شاذن فمتى رأيت عبادة بملاهي

ثقل الكتاب عليهمُ لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي

ورأوا أعظم قاطعٍ للنفس عن لذاتها يا ذبحها المتناهي

في هذه الأعياد وفي تلك البدع يهزون الرءوس ويصفقون ويطربون ويتغيرون ويغنون وما ذاك أمر شرعه الله، وما ذاك أمر أقره الله، بل هو مما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فاحمدوا الله يا معاشر المسلمين! يا معاشر المؤمنين! ألا موالد في بلادكم هذه، ولا أعياد في بلادكم هذه، وإن كان بعض أذناب الصوفية يجتمعون سراً وخفية في السراديب ويقيمون شيئاً من هذه الموالد، لكن ما داموا في درجة من الذل والمهانة والخفية والتستر، فإنهم ولله الحمد في ذلة وفي انكسار وفي سقوط، ولن تقوم لهم قائمة، ولن يقوم لهم رأس بإذن الله جل وعلا ما دام فضل الله قائم علينا، وما دامت شريعة الله تحكمنا، وما دام هذا الحب والإخلاص والوفاء بيننا وبين ولاة أمورنا نمحضهم النصيحة، ونخلص لهم الدعاء، وندين الله جل وعلا بمحبتهم وطاعتهم في المعروف.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة أمورنا بفتنة وأراد علماءنا بمكيدة، وأراد شبابنا بضلال، وأراد نساءنا بتبرج وسفور اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك.

اللهم عليك بالإيرانيين الفرس، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، اللهم اجعلهم بدداً، واهلكهم عدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم أنزل سوط عذابك بهم، اللهم اضرب بعضهم ببعض، اللهم اضرب آياتهم بآياتهم، وشياطينهم بشياطينهم، وطغاتهم بطغاتهم، وفجرتهم بفجرتهم، اللهم أهلكهم وأخرج أمة محمد بينهم سالمين غانمين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم سددهم، اللهم وفقهم، اللهم ارزقهم العلم النافع والعمل الصالح، اللهم اجزهم عنا خير الجزاء، اللهم اجعل أعمالهم خالصة لوجهك، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه.

اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أسيراً إلا فككته برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم اسق البهائم الرتع، اللهم ارحم الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، لا إله إلا أنت الحليم العظيم، لا إله إلا أنت رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم.

اللهم إن عظمت ذنوبنا فإن فضلك أعظم، وإن كثرت معاصينا فإن رحمتك أكثر وأكبر بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.